أي تضحية تلك؟ ….
بسم الله الرحمن الرحيم…..
هذا سؤال نضع أمامه كمية كبيرة من علامات الاستفهام ونعقبها كذلك بعلامات تعجب ، نعم أي تضحية تلك التي قام بها فتى قريش علي ابن أبي طالب رضي الله عنه حين نام على فراش رسول الله ﷺ يوم الهجرة المباركة؟…
أي قلب كان يحمل ابن أبي طالب يوم ضحى بحياته في سبيل هذا الدين الجديد؟….
ألم يرتجف فزعاً وهو يعلم أن هناك مئة فتىً من فتيان قريش يترصدون عند باب النبي ﷺ وحول بيته لينالوا من روحه الطاهرة التي تحاول إخراجهم من ظلمات الكفر والشرك الى نور الإيمان والوحدانية واليقين ولكن لِماذا يفزع أو يخاف وهو الذي رأى من قبل آل ياسر وهم يضحون بأرواحهم فداءً لهذا الدين الجديد الذي اعتنقوه عن رضىً منهم وقناعة ، رأى السيدة سمية أم عمار وهي تقتل بيد أبي جهل قاتل النساء ، ورأى ياسر أبو عمار وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة بيد الظلمة من سادة قريش دون أن يعطيهم بغيتهم وهو أن ينال من رسول الله ﷺ ولو بكلمة يقولها وقد أحل الله له ولن يؤاخذه لو قالها وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن حتى هذه حرمهم ياسر رضي الله عنه منها ليشتاطوا غضباً ، نعم وكذلك رأى بلال ابن رباح الساخر من الأهوال كيف أذل سادة قريش وكذّب أحدوثتهم وهدم غرورهم وصلفهم وأذل كبريائهم بكلمته الخالدة كلما زادوا عليه العذاب ازداد إصراراً على الحق وصدح بكلمته التي خلدها له التاريخ كما خلد ذكره أحدٌ أحد يطعنهم بها في قلوبهم الآثمة فيزيدوا عليه العذاب والتنكيل ويصبوا عليه جام غضبهم ويزيدهم ذلاً ومهانةً بكلمته نعم رأي علي الفتى القرشي كل ذلك فأعطته هذه الرؤى شجاعة وصلابة دافعاً قوياً على أن ينام في فراش رسول الله ﷺ ولو تحولت مكة كلها بصلف سادتها وجبروتهم الى أهوال تنصب فوق رأسه صباً لما أعارها علي أي إهتمام ، فلقد آمن بالله رباً واحداً لا شريك له وكفر بآلهة قريش المتعددة والتي تحيط بالكعبة المشرفة، هبل، اللات، العزى، اساف، نائلة، وكل تلك الأحجار الصماء التي لا تضر ولا تنفع عابديها والساجدين لها بقلوب ملئتها الجهالة وحب الشهوات والظلم الذي يمارسونه ضد الضعفاء بل إن ميلاد عابديها أقدم من ميلادها، نعم نام الفتى البطل في فراش نبيه وهو يعلم علم اليقن مدى الحقد الذي تحمله قريش لمحمدٍ ودعوته وهي لا تتردد لحظة واحدة في أذاه ولو بالقتل والفتك لتنهي دعوته الى الأبد بزعمهم، نعم أحاطوا بالدار وتسلقوا عليه الدار على سنن اللصوص والشطار وقطاع الطرق ونسوا مكانتهم بين العرب ، وبالفعل حين دخلوا الدار وكشفوا الغطاء صدموا بعلي نائماً مكان رسول الله فتسائلوا ما هذا الدين الذي يجعل الانسان يضحي بروحه وهو شاب في مقتبل العمر وزهرة الحياة أمامه ، لم يفهموا الإيمان الذي باشر قلوب أولائك الصحب الكرام من أصحاب محمد ﷺ إنه الإيمان الذي يزحزح بقوته الجبال الراسيات، نام الفتى البطل ابن عم النبي الكريم ﷺ فليقتل في سبيل الله فثمة الجنة هناك لم يفكر في روحه حينذاك فقط فكر في أن يفدي رسوله الكريم بروحه لتكتمل الدعوة الى الله أليس هو الذي تربى في بيت النبوة فكان أول صبي يؤمن بالدين الجديد الذي اقتنع به بعد ما رأى من مربيه الصدق وحسن الخلق والذي سمته قريش برغم عدائها له لكن لم تجد مندوحة في أن تقول عنه الحق الذي لا مرية فيه فسمته الأمين كما قال أمير الشعراء أحمد شوقي بيك :-
لقبتموه أمين القوم في صغر وما الأمين على قول بمتهم
نعم لقبوه بالأمين برغم عدائهم الشديد له ولدينه..
ويقول أيضاً :-
شهد العِدا طوعًا بعزّة أمرِه والفضل ما شهدت به الأعداء
وعاش الفتى حتى بلغ أشده وهو ينافح عن الدين قاتل مع رسول الله ﷺ في أكثر الغزوات وبعد وفاته ﷺ نافح كذلك عن الدين حتى جاء ذلك اليوم الذي لبى نداء ربه ليلحق برسول الله وبالصحب الكرام عند الرفيق الأعلى ، نعم جاء يوم 21 رمضان 40 هـ/ 27 يناير 661 م) وهو ينادي المسلمين هلموا إلى صلاة الفجر وكانت هناك يد غادرة تتربص بحياته الطاهرة حيث لم يهدأ أعداء الله وهم يرون هذا الدين وهو ينتقل من نصر إلى نصر حتى بعد أن لحق الرسول الكريمﷺ بالرفيق الأعلى وأكمل من بعده أصحابه البررة مسيرة الدين الذي (جاء ليخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الاخرة) وهناك من يريدها إقطاعية ودنيا يجمعوا من خلالها الأموال ويكدسونه أتلالا ليشبعوا رغباتهم النهمة ، والدين يضيق عليهم ما أرادوه اذا فليغتالوا كل نفس طاهرة أحبت الخير للجميع فسلوا سيوف الغدر كما سلوها من قبل وقتلوا الفاروق عمر والحيي عثمان ذا النورين ها هم يثلثوا بأبي الحسنين على ابن أبي طالب وهو ينادي المسلمين أن يستيقظوا لصلاة الفجر وصعدت روحه الطاهرة إلى باريها بعدما أتعبت الاعداء .
فرضي الله عنه وعن جميع أصحاب رسول الله ﷺ وصلى الله على من علمهم ورباهم كيف يكون الفداء وكيف تكون التضحية وكيف يكون الإيمان في سبيل الله.
إبراهيم يحيى أبو ليلى
مقالات سابقة للكاتب