الميزانية ودهن العود

     تطل علينا كل سنة بثوب قشيب مطرز بالأرقام والرسوم البيانية وتتوزع بدقة على بنود أعدت سلفاً لمصروفاتها وإيراداتها.

     انقسم الناس حولها إلى قسمين ، قسم لا يرى إلا الجانب السيء فيها فقط ، فهو لا يرى إلا العيوب وقل أن يخلو جهد إنساني منها ، وآخر على العكس تماماً لا يرى إلا الكمال والعصمة وهذا شيء محال.

     نحن أمة وسطا نذكر المحاسن ثم ننبه على الأخرى إن وجدت ، لكن سنركز على أمور بهذه المناسبة بعيداً عن أرقام الميزانية ولكنها وثيقة الصلة بها. 

     درسنا أن “الاقتصاد علم بلا أخلاق” بحكم نشأة هذا العلم في بيئة لا تقيم للدين وزناً بل عندهم “الغاية تبرر الوسيلة” ، لكننا في مجتمع مسلم تحكمه قوانين تستمد وجودها من رسالة سماوية ختمت بها الرسالات لخير هذه البشرية ونماؤها وعمارة الأرض بما يرضي الله عز وجل.

     أزعجنا كثيراً هذا العجز الناتج عن انخفاض الإيرادات عن المصروفات بحسب الأرقام التي أعلنت ، ولكن هناك جانب مهم جداً ينبغي أن نركز عليه وهو الجانب الأخلاقي السلوكي الذي يسلكه البعض مع الأسف مع إيراداته هو على المستوى الشخصي فنحن نتذكر تماماً الإسراف الذي يتعامل به أحدنا في مناسبات الزواج واختراع احتفالات أخرى مستهلكة لكافة أشكال الدخل الشخصي مهما كان رقمه ، ويظل دائم التشكي والتذمر من قصر الإيرادات عن المصروفات الشخصية!

     مناسبة يحضر فيها إناء بارتفاع متر يوضع فيه حاشي وعدد من الخراف يجتمع عليه بعدد أصابع اليد من الرجال ثم يرمى الباقي في الزبالة ، وآخرون يغسلون أيديهم بدهن العود ، وثالث يهيل بالعسل والسمن على جبل من اللحوم والأرز ، ورابع ينثر بالنقود على احتفالات ما أنزل الله بها من سلطان.

ورجل أعمال يذبح مائة وأربعين خروفاً وعشرة من الإبل في إحدى المزاين التي تذكي العصبية القبلية والمناطقية في أوساط مجتمع يتلمس دروبه ليأخذ مكانه بين أمم الأرض المتقدمة.

     قد يقول قائل هذه تصرفات فردية لا تمثلنا ونحن نقول بل يجب علينا كدولة ومؤسسات مجتمع وإعلام الأخذ على أيدي هؤلاء فنحن في سفينة واحدة إذا لم نتعاهدها ونحميها من التخريب سيغرق الجميع.

     هذه التصرفات غير الأخلاقية هي السوس الذي ينخر في جسد المجتمع ويجره إلى أودية سحيقة من التخلف والتفكك ، والله سبحانه وتعالى غيور على نعمه ، ولذلك فالعجز المالي الذي شهدته موازنة البلاد إشارة لمن يفهمها أننا يجب أن نشكر الله على ما حبانا به من النعم الظاهرة والباطنة ، وليس بيننا وبين الله نسب ولا واسطة ، فإذا شكرناه (قولاً وعملاً) ستقر النعم وإن كانت الأخرى ستفر وقل أن تعود نعمة بعد زوالها .

     إننا في حاجة ماسة لأصحاب التخصص والرأي ليقولوا رأيهم في الميزانية وكل ما يتعلق بإيراداتها ومصروفاتها وطرق سد العجز والبحث عن مصادر أخرى للدخل والمساءلة والرقابة على أوجه الصرف المختلفة ، كل ذلك مقبول وفي صالح المجتمع عندما تتعدد الآراء ووجهات النظر وصولاً إلى حلول ممكنة لكل مناشط الحياة الاقتصادية للبلاد لكن بدون شطط وتطرف في النقد أو الثناء.

     يجب أن يكون عندنا رشد اقتصادي يمكننا من التصرف الرشيد في الإيرادات والمصروفات الشخصية فلا إسراف ولا تقتير.

      ما حصل باختصار أن البلد تمر بظروف غير عادية لا تخفى على ذي لب وشيء طبيعي أن تبحث الحكومة عن وسيلة لخفض المصروفات وتدبير الإيرادات اللازمة لتغطية الفرق ، وما عال من اقتصد .

محمد سعيد الصحفي . الكلية التقنية بجدة

مقالات سابقة للكاتب :

لو سمحت لا تمد يدك !

– فكرة على شارعين !

– دعشنة

– للمتخلفين فقط !

– داعش وأشياء أخرى .. !

– مكالمة من خارج الحدود

– تحطيم الأصنام

– إياك أعني !

– حرث البحر !

– يا من لا يزول ملكه

– وفد العزايم

– النذير العريان

– الرأي والرأي الآخر !

 أعطني شاشة ، أعطيك شعباً

مقالات سابقة للكاتب

3 تعليق على “الميزانية ودهن العود

ابوباسم

لافض فوك ابا عمر ..درر مقال في الصميم يعبر عن واقع حقيقي وتستحق عليه كل الشكر والتقدير .كثر الله من امثال ونفع بك .آمين..

عبدالله

نعم للأسف الشديد صار الكل يحلل الميزانية وصرنا كلنا محللين أقتصاديين هذا صح وهذا غلط
حتى اللي مايحمل ولا شهادة صار يفتي ويكتب وينسخ
قمة الفوضى

عبدالعزيز الشيخ

نعم لابد من الأخذ على يد السفهاء
لقد تجاوزوا الحد وكل يوم نرى فيديو جديد فيه من إهانة النعم الشي الكثير
اتمنى أن تقبض االشرطة على هؤلاء المسرفين المستهترين بالنعمة وتعاقبهم على الملأ
حتى ينزجر غيرهم ولا تنتشر هذه الظاهرة البشعة التي لا ترضى الله
نعوذ بالله من سخط الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *