لكل إنسان على هذا الكوكب بصمة وهو حي بين الناس يُرزق و لكن إذا مات ترى بصمة رحيله في وجيه احبابه ومعارفه ومن خالطوه بشكل عام، كل ما جاء طاري الصحابي الجليل علي بن أبي طالب كَرَّم الرحمن وجهه وسِحنَتُه دائماً ما يَخطُر ببالي القوة و الصخب او كما يقال بالعاميّة (الرِتم العالي) ، ظهرَ بدايةً في مكة بقوة حينما رقد على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأراد ان يستقبل صماصِمَةْ الكفار على رأسه فداءً لنبيه الذي آمن به وهذا أمر يحتاج إلى قوة قلب وعزيمة قدّيس ليس سهلًا أن ترضى بأن تنخر جسدك سيوف لا تعلم عددها ولا هويّات حامليها ولكن نجّاه الله وهذه الحادثة عندي أظن أن الله كتبها على علي إرهاصاً وبادئةً لتهيئته لاستشهاده على يد أشقى أمة محمد ; ابن ملجم لعنه الله بعد أكثر من ٣٠ عاماً … وحينما غادر مهاجراً فرّ بدينه إلى ربه بالمدينة شهد المغازي كُلها مع رسول الله وكرَّ على المشركين في كل مشهد وبرز اكثر في الخندق بروز داعيه و دبلوماسي حينما صاح عمرو بن ود كبش كتيبة الكفر والكفار ألا من مبارز لم يخرج أحد من الصحابة الا المستقوي بالله علي بن أبي طالب كما يطيب لي تلقيبه، رفض أولاً رسول الله خروج علي وقال انه عمرو ولكن نبي الله يعلم أن علي رجل قوي لا يقبل الدنيّة في أمره كمحارب ودعى ابن ود للاسلام فرفض ابن ود ومن ثم طلبه العوده الى المشركين بهدوء وهنا تتجسد أمامنا الدبلوماسية مخلوطة بالقوة وشاء الله أن يختم قُدَّامَ الموحّدين والكافرين قصة المرعب عمرو بن ود على يدي حيدرة حتى ميدان المبارزة بينهما كان رواية خيالية بعد تحوله إلى غبار فلم يتمكن المسلمين والمشركين من رؤية المبارزة واثناء ما علا الغبار سمعوا التكبير فارتفعت همم الصحابه برأس حربة الإسلام علي و خارت وجوه فرسان المشركين بعد رؤية جثة ابن ود وكان عليٌ نذير شؤمٍ عليهم وبشير نصرٍ لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وفي خيبر يُستَغلَق على الصحابة باب الحصن ويبرز لهم فارس اليهود وشاعرهم وسيدهم مرحب الذي نُقِش على سيفه من يذقهُ يعطب ولكن هيهات واجه عليً فبدأه علي كعادته بالدوبلوماسية ودعاه للاسلام ولكن أبى فأنشد كلمات قوية تشبهه يقول فيها انا الذي اسمتني امي حيدرة كليث غابات كريه المنظره فَعَطَبَ الله رأسه على يد علي فكان الفتح والبشرى لأصحاب رسول الله على يديه و الخيبة والعويل ليهود خيبر ، فوجود علي لا بد من أن تصاحبه أحداث قوية صاخبه فيها قاتل و مقتول وتمضي السنون و عجلة الإسلام تتحرك إلى أن يستشهد سيدنا عثمان رضي الله عنه ويدخل المسلمون في نفق مظلم ولكن هذه المرة فانوسُهُمْ علي رضي الله عنه فهي أحداث لا يجيد التعامل معها إلا هو بل اني لا ابالغ ان قلت انه كان رحمة بأهل الإسلام إذ ذاك بل حتى الخوارج الذين ظهروا عليه و قاتلهم في النهروان بدأهم بدوبلوماسيته المعهودة واختار ابن عباس سفيراً له لحوارهم وكانوا آلاف فعاد منهم النصف وأخطرَهُم انه لن يبدأ بقتال حتى يبدأوه هم فبغوا على أصحاب رسول الله وهُزِموا هنالك وانظر للتوجيه الدبلوماسي المُنَقَّح اَمَرَ عليٌ جيشه بعدم اللحاق بهارب من الخوارج فلا داعي عنده لتضييع جهد الجندي المسلم وامرهم بأن لا يقاتلون الخوارج إن ثاروا على والي ظالم من ولاة الامصار لأن لهم حُجَّة ومقال كما في البخاري بل يصدُّوهم إن بغوا على والٍ عادل وهذا فيه رحمةً بجنوده وبالعَقَقَة من الخوارج وفي صفين آثر الدبلوماسية واختار ابو موسى الأشعري بعدما استَحَرّ القتل بين أهل الشام والعراق والله المستعان، وتأتي النهاية الملحمية للرواية بنهاية مؤلمة هي الأخرى قوية وهي استشهاده الذي لم يكن سهلاً على أهل الإسلام ولم تكن عملية اغتيال تقليدية بل قام اللعين بن ملجم بتسميم سيفه لأنه يُدرك انه سيواجه علياً فلا يرغب بفرصة مُصَارَعَه او ملاحقة بل ضَربَه غداره مباغته وقويه لأنك لو كنت من القوم الظالمين فلن ترغب بإعطاء علي فرصة للاستدراك وسحب سيفه فالنتيجة معروفه وقد فعل لا شكر الله سعيه وقد كان علي متجه للمسجد ويالها من خاتمة حسنه طيبه تليق بفارس قصتنا واجمل رثاء له من ابن عبدون الأندلسي وبطبيعة الحال هو زمن مختلف يقول :
(وليتَها إذ فَدَت عمراً بخَارِجَةٍ ** فَدت عَليًّا بمن شاءَت من البَشرِ) .
عاش بصوت عال للحق وبسيفٍ ماضٍ على الباطل وأهله وهو قدوة لكل دبلوماسي قبل الجنود في الميادين كرم الله وجهه يحافظ على الدبلوماسية مع ذو الفقار بجواره وكل وزير خارجية مسلم لا بد أن يقتدي بعلي اذا رأى خصوم دولته ان يريهم لطفه في غير ضعف والحزم الشديد عند استفحال الموقف ولا يبالي الا بالله الواحد القهار خصوصا مع الأزمات التي تمر بها أمتنا يُراد لنا أن نقبل الشذوذ الجنسي و الفلتان في الاختيارات الشخصية انه أسوأ عصور البشرية على زعمي ولا ينبغي لهذا العصر الا مسلك علي بن أبي طالب حزم ودوبلوماسية منصهرة بقوة وبطش تدمران كل من أمامها لتسود الفطرة واختم مقالي بمنقبة لعلي رضي الله عنه في صحيح مسلم:
قالَ عَلِيٌّ: والذي فَلَقَ الحَبَّةَ، وبَرَأَ النَّسَمَةَ، إنَّه لَعَهْدُ النبيِّ الأُمِّيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إلَيَّ: أنْ لا يُحِبَّنِي إلَّا مُؤْمِنٌ، ولا يُبْغِضَنِي إلَّا مُنافِقٌ.
اُشهد الله اني احبه حُباً لا تحمله الجبال.
مطر آل عاطف
مقالات سابقة للكاتب