بسم الله الرحمن الرحيم….
يقول الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ۚ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ۚ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) يقول الصحابي عبد الله ابن عباس رضي الله عنه وهو حبر الامة في تفسير هذه الآية 20533- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا طلحة بن عمرو, عن عطاء, عن ابن عباس قال: ذهابُ علمائها وفقهائِها وخيار أهلِها .
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا) (متفق عليه).
فقد انتقل الى رحمة الله تعالى ليلة الخميس الساعة ١٢ منتصف الليل العلامه المحدث فضيلة الشيخ يحيى بن عثمان المدرس المدرس بالمسجد الحرام
بمستشفى الملك عبدالعزيز بالزاهر رحمة الله عليه رحمة واسعة وجمعنا الله به في جنة الفردوس الاعلى.
وانا لله وانا اليه راجعون…
ومن منا لا يعرف الشيخ يحيى بن عثمان ذلك الرجل الحيي الذي يتملئ تواضعاً وخفضاً للجناح وقلباً ملؤه العفة ولا نزكيه على الله بل نحسبه كذلك والله حسيبه ونحن شهداء الله في الارض ومن منا لا يعرف ذلك العالم الجهبز الفقيه الذي امضى نحواً من ٦٥ ستون عاماً من حياته المباركة في اعطاء الدروس بالمسجد الحرام فمنذ نعومة اظفارنا نرى الآباء حين يخرجون الى اعمالهم فجر كل يوم ولا يرجعون إلا بعد صلاة العشاء وما ذلك إلا ليحضروا دروس هذا العالم الرباني عفيف النفس طاهر اليدين ذلك الشيخ الذي اذا رأيته ماشياً ترى عليه هالة من نور العلم الذي حباه الله إياه ويضوع من جنبات نفسه المفعمة بالعلم أريج الحكمة ورائحة الفقه والحديث وفي هذه اللحظة التي أكتب فيها هذا المقال يدفن الشيخ في مقابر شهداء الحرم بمكة المكرمة بعد ما صلى المسلمون عليه بعد صلاة الظهر والذي يتواصل فيها معي هاتفيا احد اعضاء مركاز الاحبة الثقافي وهو من تلامذة الشيخ وامضى ١٠ سنوات في مجلس الشيخ والذي اعطي إجازة من الشيخ في علم القرآن الحديث في الكتب السته وهو أخونا القدير الأستاذ إبراهيم بن محمد جاكتي ودعوني هنا اترك الحديث لأحد تلامذة الشيخ ومرافقيه ليسرد لنا مآثر هذا العلامة القدير رحمه الله رحمة واسعة وهو الشيخ محمد السيلاني مدير ادارة المصاحب بشؤون الحرمين يقول عن الشيخ يحيى بن عثمان ابي زكريا ( فقيد البيت الحرام……. وزمزم والحطيم والمقام….. العالم الامام والعلم الهمام…
الذي أفنى عمره بالتدريس بالمسجد الحرام…… لعمر مديد فاق الستين عاماً
لعمرك مالرزية فقد مال
ولا فقد الشويهة والبعير
********
ولكن الرزية فقد بحرٍ
يموت بموته خلق كثير
لقد فجعت الأمة الإسلامية قاطبة بمنتصف هذه الليلة الخميس بفقد علم من اعلامهما وعالم من علمائها وحبرآ من احبارها المحدث الفقيه العابد الزاهد الورع السلفي فضيلة الشيخ العلامة يحي بن عثمان المدرس عظيم آبادي أبا زكريا عن عمر يناهز التسعون عاماً الذي افناه برحاب البيت العتيق تعلمأ وتعليماً وكان والده الشيخ عثمان المدرس احد علماء الحرم ومن أهل الحديث حيث تلقى الشيخ يحيى من والده العلم وتضلع من نهله وارتوى من معينه العذب القراح الزلال ثم درس الشيخ يحيى بدار الأرقم بدار الحديث الخيرية حتى تخرج منها محدثاً وعين مدرساً بالمسجد الحرام عام ١٣٧٢هجري ، ثم عين مدرساً بدار الحديث الخيرية عام ١٣٧٧هجري الى عام ١٣٩٠هجري ، ثم انتقل إلى التدريس بمعهد الحرم وقد أم المصلين بالمسجد الحرام لصلاتي الفجر والعشاء لمدة شهرين بتكليفه بالإنابة عن شيخه عبدالظاهر أبو السمح لمرضه عام ١٣٨١هجري ، وقد كلف لوعظ وإرشاد وإفتاء الحجاج بمسجد الخيف بمنى ١٣٨٠ هجري ، وكذلك بمسجد مزدلفة بعد صلاتي المغرب والعشاء ليلة النحر يعد رحمه الله من أكبر علماء الأمة قاطبة ،عرف بالزهد والورع والتقى والسماحة والصمت فلا يعد كلامه الا جواباً وذكراً ، يعد ركن من أركان الحرم فلا يفارق كرسيه الا لأداء مناسك الحج أو لرأحته الأسبوعية يوم الخميس أو اجازته السنوية المعتادة وقلبه متعلق بالحرم وكرسيه الذي يعتليه للتدريس والفتية ومن القصص التي تدل على تعلقه بالحرم وكرسيه وطلابه فقد أصيب الشيخ بجلطة رقد على اثرها بالمستشفى أيام ومنعه الأطباء من التدرس لما فيه من الجهد فبعد خروجه من المستشفى بأيام قلائل أستأنف درسه بالمسجد الحرام الذي يجد أنسه وراحته وطبه وطمانينته برحابه وجاهد الشيخ نفسه حق جهاده في تحصيل وتأصيل العلم وبذله والإنفاق منه بمنهج السلف الصالح وفق سماحة الإسلام بمنهج صحيح واضح كشمس الضحى فى رابعة النهار وكرس حياته بالتدريس والمدارسة وكان يقرأ بنفسه في درسه ويشرح ويرجح وكان هذا منهجه بتدريسه وتعد حلقته من أكبر حلقات الذكر بالمسجد الحرام وطلابه من كل الأجناس وكان لهم اخً واباً ناصحاً لهم ، ولكوني من جيرانه ومن ملازميه فقد عرف بالتواضع الجم ولين الجانب والزهد والورع والتقى والسماحة والدعاء للجميع كما عرف عنه بخفض الصوت في الكلام والمخاطبة إلا في التدريس فكان صوته جهور ذو هيبة ونور يدخل في انياط القلب وبخلجات الروح ووضع له القبول فكل من عرفه حبه ودعاء له.
رحمه الله وغفر له واسكنه فسيح جناته وأنزل على قبره شأبيب الرحمة والغفران وأخلف لنا خيرآ بفقده ونسأل الله ان لا يفتنا بعده ويتقمده بواسع رحمته وأن يجعل مااصابه كفارة له وان يعلي روحه في عليين وأن ينزله منازل الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، وأن يجزه عن الاسلام والمسلمين خيرا الجزاء.
إن القلب ليحزن وأن العين لتدمع وانا على فراقك ياأبا زكريا ياشيخنا وياحبيبنا لمحزنون ولا نقول الا ما يرضي ربنا وانا لله وانا اليه راجعون) انتهى كلام الشيخ السيلاني جزاه الله خيرا وكتب له الأجر والمثوبة ولوالديه….
نعم هذا هو الشيخ يحيى بن عثمان أبو زكريا الذي كم كنت اسمع ابي رحمه الله يثني عليه ويقدره ويجله لعلمه وتواضعه وحبه للخير لجميع الناس والدعاء لكل الناس فرحم الله الشيخ يحيى رحمة واسعة وتقبله الله عنده في الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وانطوت صفحة من أنصع وأروع صفحات العلم والعلماء وترجل هذا الفارس الهمام لا اقول عن صهوة جواده بل عن كرسيه الذي طالما امتطاه في بيت الله الحرام ليصدح من فوقه على جموع الطلاب والجلساء الحاضرون مجلسه الذي تحفه الملائكة ويذكره الله فيمن عنده بكل ثناء نعم ترجل الفارس لا اقول الي الارض بل الى جنات النعيم ليلحق بتلك الكوكبة المضيئة من علماء الأمة الإسلامية العظيمة التي انجبت وما زالت تنجب وستظل منذ أن اعلنها رسولها العظيم وصدح بلا إله الى الله في مكة الفيحاء هذه الامة التي علمت البشرية كيف تساس البشرية بالعلم …. فيا اخوتي المسلمين في أي مكان يصلكم مقالي هذا ارفعوا اكف الضراعة الى الله الرحيم ان يتغمد شيخنا الفاضل برحمته وان ينزل على قبره الضياء والنور والفسحة والسرور وان يجازيه عنا وعن الاسلام والمسلمين خير الجزاء وان ينزل على قبره شآبيب الرحمة وسحائب الغفران ويجعله في أعلى عليين في الفردوس الأعلى من الجنة… والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله اجمعين سيدنا وحبيبنا وقائدنا وقدوتنا محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين.
إبراهيم يحيى أبو ليلى
مقالات سابقة للكاتب