هناك علاقة ترابط قوية وطيدة بين المرأة ( الزوجة ) والبيت الذي تعيش فيه ، هذه العلاقة أرسى قواعدها القرآن الكريم ، حيث أضاف البيوت إلى أزواجهنّ ، رغم تعب الزوج في بنائه ، وتمكله شرعاً وقانوناً ، فقد نُسب البيت الى الزوجة دون الزوج ،
وفي هذا من الحكم والفوائد الكثيرة التي تغيب عن كثير من الأزواج ، ولعل من أبرزها مايلي :
١- تتجلى عظمة القرآن في تربية النفوس ، وترسيخ قواعد الأسرة ؛بالمحافظة على استقرارها ، وأمانها وسعادتها .
٢-جعل القرآن مكانة عالية للمرأة ، في بيت الزوجية ، وكأنها هي مالكته الفعلي ، وذلك لقيامها بكل شؤنه الداخلية ( رعاية ، تربية ، تغذية ، إشرافاً ، إدارة ، متابعة ، علاقة حميمة وغيرها من شؤون الحياة البيتية، قال الله تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ} يوسف: 23 مع أن العزيز مَلِكاً على دولة كبيرة، إلا أن بيته نُسب لزوجته ، فلم يقل: القرآن ( وراودته التي هو في بيت زوجها عن نفسه، إنما قال :( وراودته التي هو في بيتها عن نفسه ) مما يدل دلالة واضحة على عظم إكرام المرأة في بيتها ومملكتها .
٣- البيت السعيد ،البيت الصالح ، لا يَشرُف إلا بزوجة ،صالحة ، تقية ،نقية هذه ؛ بيوت النبي – صلى الله عليه وسلم – رغم مكانته عليه الصلاة والسلام ، وهي بيوته وملكه ، نُسبت تلك البيوت الطاهرة ،لإولئك الأمهات الطاهرات النقيات قال تعالى : {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ )الأحزاب: ٣٣ (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْـحِكْمَةِ}الأحزاب: 34
هذا الخطاب في الآيتين الكريمتين موجه لزوجات النبي – صلى الله عليه وسلم – خاصة، ولنساء المؤمنين عامة، ولو تأملت المرأة المسلمة هذا الشرف العظيم ، وهذا الإكرام النبيل ؛ لتبين لها أن هناك إشارة قوية للزوجة أن تحرص على كيان بيتها ، والاعتناء به ، وملازمته ، والتلذذ بالقيام بشؤنه وأن تكون حصناً وثيقاً ، وسداً منيعاً ؛ من كل ما يهدده ، من عواصف المكر والخداع التي تحاك لعزعزة الأسرة المسلمة ،بالتشكيك في دينها والتنازل عن مبادئها وأخلاقها ، وصولاً إلى شتات أمرها ، وتفرق وحدتها .
٤- هنا إشارة لكِ أيتها ، الزوجة الفاضلة ، مادام ، البيت بيتك ، والشرف شرفك ، وكل شؤنه ، تحت مسؤليتك ، وأنت مسؤلة وراعية ، وقد جاء من حديث ابن عمر – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْأَمِيرُ رَاعٍ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ “رواه البخاري
فأول رعاية يجب أن تحرصي عليها ، أن تملكي قلب زوجك بالحب، والمودة والرحمة والاحترام والتقدير فإن هذا أعظم من كل ما تملكينه في البيت ، بل هو السبب الذي يوطد ملكك ، ويعلي شأنك ، ويرفع درجتك .
٥- من المعلوم أن الإنسان إذا رُزق نعمةٌ ، من الله ، يشكر الله عليها ، ويحافظ عليها ، ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) وهذه نعمة وهبها الله لهذه الزوجة بأن نسب لها بيت الزوجية ، فالمحافظة على هذا الكيان واجبة ، طاعة لله تعالى وتعبداً، بطاعته سبحانه أولا وطاعة رسوله ، ثم طاعة زوجها في المعروف ، والقيام بشؤون البيت وتربية الأبناء والعناية بهم ، وهذا يسلتزم وقتاً من الزمن ،لذا فقد يكون كثرة خروج المرأة من بيتها سبباً لضياعة ، وتشتيتاً لشمله ، وقد يكون أيضاً سبباً لسلب هذا البيت منها بالكلية ، فالتنتبه المرأة المسلمة ، ولا تغتر بكثرة المرجفات الغافلات ، في كثرة خروجهنّ وضياعهنً ، لمسؤلية بيوتهنّ
٦- وردت إشارة بليغة في قوله تعالى (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْـحِكْمَةِ}الأحزاب: 34 ، وهي كيفية المحافظة والاستمرار على بيت الزوجية وذلك بتعليم القرآن والسنة فيه، وتربية النشء على ذلك، فكأن القرآن يقول: إذا أردت أيتها المرأة أن يبقى هذا البيت لك فلا يكون همك الأول تزيينه وترتيبه وتنظيفه فقط، إنما عليك أن تجعلي لك وقتاً تتدارسين مع زوجك وأبنائك فيه كتاب الله وسنة نبيه.صلى الله عليه وسلم
٧ – ما أعظم هذا الدين ، وما أبلغه في تربية القلوب ، والحفاظ على المودة والرحمة ، حتى حال النزاع والخلاف الذي يصل الى الطلاق ، فإن حبل المودة والحب لا ينقطع بسهولة، لهذا نهى الشرع الرجال عن إخراج النساء من بيوتهن في حالة الغضب والنزاع الذي يترتب عليه التلفظ بالطلاق.فقال تعالى ( {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ) الطلاق: ١
ففي هذه الآية قطع لحجة الرجل بأن البيت بيته ، ولابد من خروجها بعد طلاقها – الرجعي – من البيت بل لازال البيت منسوباً لها كأن الشرع يقول له: حتى وإن كان هذا البيت ملكك مادياً إلا أن امتلاك المرأة له معنوياً أقوى في هذه اللحظات، وهذه الظروف ، وفيه أيضاً توجيهاً وتذكيراً للمرأة بأن لا تخرج من بيت الزوجية ، بل عليها أن تتصالح مع زوجها ، وتقابله بالإحسان ، وحسن التبعل ، والتزين له ؛ لعل القلوب ترق لبعضها وتحصل المراجعة ؛ قبل فوات مدة العدة، لتحافظ على هذا البيت الذي أضافه الشرع لها ولا تضيعه بالتعصب والعناد ، والعصبية المميته ، والقول الشيطاني ( حين تقول : لست بحاجته ، أو تقول : مادام أنه طلقني أنا مستغنية عنه ، وما شابه ذلك من نزغ الشيطان وتوهيمه ، فكل هذا سيأتي يوم تندم المرأة على كل كلمة قالتها ، حال الغضب والعناد ، والواقع ، شاهد على ذلك.
أيتها الفاضلة : قفي مع نفسكِ قليلاً
كأن الشرع يقول: إن الحل في يدك أيتها المرأة لترجعي إلى زوجك، فكما أن بيته لا يزال لك، فكذلك قلبه لا يزال في ملكك، حتى ولو صدر منه ما آذاك ، ونغصك ، إنما هي سحابة غيم ، منغصة ؛ سرعان من تنجلي ، وتصفى الأجواء.
ملحوظة
هناك أمرٌ في غاية الأهمية ، إذا تعدت المرأة حدود الله تعالى ، ولم تلتزم بشرعه ، في المحافظة على حرمة هذا البيت وأتت بالفاحشة بشهادة أربعة شهود عدول، سحب منها هذا التكريم ولم يعد البيت ينسب لها. لكونها لم تعد تستحقه، قال تعالى ( وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ فَإن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْـمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء: 15، ففي الاية الكريمة سُلب منها شرف نسب البيت لها ، فكأنه يقول: لا وجود لبيت يمكن أن يتحمل هذه المرأة التي باعت كرامتها وكرامة زوجها وأسرتها ، ولطخت عرضها ، وسمعة أهلها ؛ بأبخس الأثمان
وختاماً
قد يتبادر إلى الأذهان سؤالٌ
لماذا لم ينسب البيت للرجل ؟
كأن الشرع يقول – والله أعلم أن الرجل لم يخلق للبقاء في البيت إنما خلق ليكون غالب وقته خارج بيته، إما لطلب الزرق له ولأولاده في وظيفة أو تجارة أو مهنة ، أو الدعوة في سبيل الله ، أو التعليم والتعلم أو الخدمة الاجتماعية والمشاركة في نفع الناس ، أو غيرها من المصالح .
فنحمد الله تعالى على هذا القران الكريم ، والشرع القويم ، الذي نظم حياة الإنسان ، ووضح مهامه ، على حسب خلقته ، بالعدل والإنصاف ، والحكمة والبيان ، فالالتزام بشرعه ، والتمسك به ، تحصل السعادة في الدنيا والفوز بالجنة في الآخرة .
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد.
د.صلاح محمد الشيخ
مستشار بمركز شدن للاستشارات التربوية والأسرية