وهكذا هي الأمهات

الحمدُ لله وحده ، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده ، وبعد ،
وصلني مقال جميل بعنوان : عندما ترحل الأمهات تصدأ الإبر التي كانت تخيط الجراح ، وهو يحكي قصة رجل تجاوز الستين من عمره ذهب لزيارة والدته المسنَّة ذات الثمانين عاماً ، وسطَّر لنا موقفاً جميلاً في حنان أمه وعطفها عليه رغم أنَّه تجاوز الستين من عمره ، وأحب أن يُشرك الناس في هذا الموقف العظيم من خلال تغريدة لاقت صَدى طيباً ، وتأثر بتغريدته الكثير من المغردين .

وقد قمت أنا بإعادة نشر هذا المقال الذي يحكي عن هذه الواقعة على صفحتي على الفيس ، ومن خلال مجموعات على الواتس أتشرف بالإرسال لهم بين الحين والآخر ، وكأنَّه حَدث معي تقريباً ما حدث لذلك الرجل الستيني من تفاعل مؤثر على تغريدته ؛ فقد أثَّر بي من أرسل لي من الإخوة والأخوات رَداً على هذا المقال ممن فقدوا أمهاتهم ؛ فثارت في قلوبهم الذكريات الجميلة والحزينة عن أمهاتهم تلك الحُضن الحنون الدافئ الذي مهما كبر الشخص في العمرِ يظلّ محتاجاً إليه ؛ فأدركوا أنه لم يبق لهم إلا الذكريات بعد انقطاع صوت أمهاتهم، وأن جرح وفاة امهاتهم ما زال في قلوبهم حياً .

ومنهم من حمد الله على وجود أمه في حياته ؛ فهي بعد الله سبب السعادة في دعواتها لهم وكما قيل : صَوت أمِّك فِي البيْت أكبرُ نعمةٍ تستحقُّ أنْ تحمد الله عليْها.
ولعلَّ هناك من أدرك أنه مُقصِّر بحق أُمِّه ؛ فأخذ العهد على نفسه أن يُراجع أمره .
ويعود إلى أمه ، ويندم على ما بدر منه بحقها .
ومنهم من بين أنَّ هذه الرحمة عند الأمهات للأبناء جزءاً صغيراً جداً من مجموع الرحمة التي قَسمها الله بين الخلائق .

لَلَّهُ أرحمُ بعبادِهِ من الوالدةِ بولدِها وفي الصَّحيحينِ عنْهُ أنَّهُ قالَ إنَّ اللَّهَ خلقَ الرَّحمةَ يومَ خلقَها مائةَ رحمةٍ أنزلَ منْها رحمةً واحدةً فبِها يتراحمُ الخلقُ حتَّى إنَّ الدَّابَّةَ لترفعُ حافرَها عن ولدِها من تلكَ الرَّحمةِ واحتبسَ عندَهُ تسعًا وتسعينَ رحمةً فإذا كانَ يومُ القيامةِ جمعَ هذِهِ إلى تلكَ فرحِمَ بِها عبادَهُ .

اللهم اغفر لأمهاتنا ، وتغمدهم برحمتك .
ومن كانت على قيد الحياة منهنَّ ؛ فأزل كل حزن يرتسم على تقاسيم وجهها.
ومن كل ألم يسكن جسدها، وأسعدها سعادةً لا اكتفاء منها .

د. منذر القضاة

مساعد عميد كلية القانون

في جامعة عمان العربية

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *