لبيك اللهم لبيك

إن هذا النداء يهتف به المسلم الحاج إجابة لدعوة الله – عز وجل – لحج بيته الحرام؛ حيث يقول تبارك وتعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}.

أما والذي حج المحبون بيتـه
ولبوا له عند المهل وأحرموا

وقد كشفوا تلك الرؤوس تواضعًا
لرب لـه تعفو الوجوه وتسلمُ

يهلون بالبيداء لبيـك ربـنا
لك الملك والحمد الذي أنت تعلمُ

دعاهم فلبوه رضـًا ومحبةً
فلما دعوه كـان أقرب منهمُ

▪️فضل الحج:

إن الحج شعيرة من شعائر الله – عز وجل – وهو الركن الخامس من أركان الإسلام؛ لحديث ابن عمر – رضي الله عنهما – في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإيقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت».

وقد فُرض الحج في السنة التاسعة من الهجرة، وورد لفظه في القرآن الكريم اثنتي عشرة مرة، وحكمه واجب على الفور في حق المستطيع لقوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}.

ولما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: «أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا» فقال رجل: أفي كل عام؟ فقال: «لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم».

وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: «لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل من كان له جدة ولم يحج ليضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين».

والحج يجب في العمر مرة واحدة لقوله صلى الله عليه وسلم كما في السنن: «الحج مرة فمن زاد فهو تطوع».

ويستحب التعجيل بأداء فريضة الحج؛ لما رُوي في المسند من حديث الفضل بن العباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أراد الحج فليعجل، فإنه قد يمرض المريض وتعرض الحاجة».

فعلى المسلم أن يحرص كل الحرص على اغتنام فرصة الحج، وألا يدعها تفوته بحالٍ من الأحوال..

بادر الفرصة واحذر فوتها
فبلوغ العـز في نيـل الفرص

واغتنم مسعاك واعلم بـأن
من بادر الصيد مع الصبح قنص

▪️آداب الحج:

لهذه الشعير آداب يلزم من حج القيام بها، ومنها على سبيل المثال:

أولاً: أن يخلص الحاج النية لله – عز وجل – في حجه امتثالاً لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء}.

وألا يقصد بحجه رياءً ولا سمعة؛ لما ثبت في سنن ابن ماجة من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة».

وأن يكون حجه موافقاً لهدي النبي صلى الله عليه وسلم لقوله: «خذوا عني مناسككم».

واعلم بأن الحج ليس بحاصلٍ
إلا إذا كانت له صفتـانِ

لا بد من إخلاصه ونقائه
وخلوه مـن سائـر الأدرانِ

وكذا متابعة الرسـول فإنها
شرطٌ بحكم نبيـنا العدنانِ

ثانياً: أن يتجنب الحاج فعل الآثام أثناء حجه من رفث وفسوق وجدال لقوله تعالى: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}.

ولقوله صلى الله عليه وسلم: «من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه».

ثالثاً: أن يكثر الحاج من ذكر الله تعالى لقوله عز وجل: {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ}.

وقوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث نبيشة الهذلي رضي الله عنه : «أيام التشريق أيام أكل وشربٍ وذكر لله».

وأكثر ذكره في الأرض دأبًا
لتذكر في السماء إذا ذكرتا

ونادي إذا سجدت له اعترافًا
بما ناداه ذا النون بـن مـتا

رابعاً: أن يحج بمال من كسب طيب حلال، لا تشوبه شائبة مما حرم الله – عز وجل – لما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا. ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له».

وفي المسند من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل جسدٍ نبت من سحت فالنار أولى به».

إذا حججت بمال أصله سحـت
فما حججت ولكن حجت العيرُ

لا يقبل الله إلا كل طيـبةٍ
ما كل من حج بيت الله مبرورُ

▪️إيحاءات الحج:

أولاً: الحج والتوحيد:
فعند الدخول في النسك يلبي الحاج بكلمة التوحيد كما في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه أنه قال: «حتى إذا استوت به ناقته على البيداء أهلّ بالتوحيد» (لبيك اللهم لبيك ؛ لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك). وقد اشتملت هذه التلبية على جميع أنواع التوحيد؛ فقوله «والملك» من توحيد الربوبية وإثبات الربوبية مستلزم لإثبات الألوهية، ونأخذ توحيد الأسماء والصفات من قوله «إن الحمد والنعمة» فالحمد وصف المحمود بالكمال والنعمة من صفات الأفعال، وقوله «لا شريك لك» نفي الشركاء لله – عز وجل – في ملكه وألوهيته وأسمائه وصفاته.

ثانياً: الحج وتذكر الموت:
فعند التجرد من المخيط ولبس الإحرام يتذكر الحاج بلباسه هذا لبس الأكفان بعد الموت، وعند عودته بعد التحلل الأول قد يذهب إلى مسكنه لتغيير لباسه وربما استلقى قليلاً على سريره فيتذكر أنه لا بد يومًا من الأيام أن يحمل على هذا السرير شاء أم أبى:

ركـوبك النعش ينسيك الركوب على
ما كنت تركب مـن بغـلٍ ومـن فرسِ

يوم القيامـة لا مـالٌ ولا ولـدٌ
وضمة القبرِ تنـسي ليلـة العـرسِ

ثالثاً: الحج والمحشر:
فعند وقوف الحاج على صعيد عرفات في ذلك الحشد الهائل من الحجيج يتذكر الموقف الأكبر يوم الحشر، يوم العرض بين يدي الله – عز وجل – ذلك اليوم الذي يجتمع فيه الأولون والآخرون من لدن آدم عليه السلام إلى قيام الساعة، ينتظرون فصل القضاء ليسيروا إلى منازلهم حسب أعمالهم، فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره.

فلله ذاك الموقـف الأعظـم الذي كموقف يوم العرض بل ذاك أعظم

رابعاً: الحج والارتحال:
فعند انقضاء الحج ينظر الحاج وإذا بأرض المشاعر التي كانت مكتظة بالخيام لا يكاد يجد أحدًا من ساكنيها؛ لأنهم قد رحلوا وتركوها خالية على عروشها، فكذلك هي الدنيا يا أخي، نزولٌ وارتحالٌ..

نزلنا ها هنا ثم ارتحلنا
ودنيانا نزول وارتحالُ

* عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية – عضو الجمعية السعودية للدراسات الدعوية.

خالد بن محمد الأنصاري

مقالات سابقة للكاتب

10 تعليق على “لبيك اللهم لبيك

غير معروف

بارك الله فيك أتمنى لك التوفيق جزاك الله خير في ميزان حسناتك يا رب

هاجر عبد الحميد علي زمزمي

مقال رائع ومتكامل جزاك الله عن المسلمين خير الجزاء
حيق تعد فريضة الحج تعظيما لشعائر الله من طواف وسعى بين الصفا والمروه والوقوف بعرفة ورمي الجمرات… في هذا المكان يظهر المسلم افتقاره إلى الله فيتجرد من الدنيا وما فيها من زينه وترفيه ويريدي ملابس الاحرام فلا يعرف الغني من الفقير الكل سواسية امام الله لتحقيق العبودية والتقوى ويشعر المسلم بلذة التعبد واخلاص العبادة لله وحدة خالي من الرياء ويتعود على اجمل الصفات مثل الصبر والتواضع وتصفى القلوب وتتعاون على البر والتقوى والمنافع المشتركة..

ام المؤيد

مقال رائع يلامس المشاعر سلمت اناملك وجعل الله مقالك شاهداً لك يوم نلقاه

ام المؤيد

جزاك الله خير الجزاء

حسن مهدي الريمي

لا فض فوك ولاجف قلمك ولاكلت قريحتك.
‏‎أوجزت وأجدت وأفدت حبيبنا.
بيض الله وجهك ورحم الله والديك ونفع الله بك وبعلمك.🌹

أم صالح

يا راحلينَ إلى منىً بقيادي
هيجتُمو يومَ الرحيل فؤادي…..
فإذا وصلتُم سالمينَ فبلّغوا
منّي السلام أهيلَ ذاك الوادي….
ذبحوا ضحاياهُم وسال دماؤُها
وأنا المتَيَّمُ قد نحرتُ فؤادي
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأنصاره وسلم تسليما

الكثيرية

جزاك الله خيرا شيخنا الفاضل
وبارك فيما خطه قلمك
ونفع الله بك الاسلام والمسلمين
هنيئاً لك هذا العلم
ورزقنا الله واياك الاخلاص والقبول

ماريا نضال

رواكم الله من يد الحبيب ﷺ🤲🏻.. و عرفكم الله طريق الجنة وأدخلكم أنتم وأحبابكم ..🤲🏻
مقال حرفه ثمين ، خاصة وايام الحج
كانت من وصايا النبي حجوا قبل ألا تحجوا

غير معروف

مقال جميل جدا بارك الله فيك وفي قلمك في ميزان حسناتك يا رب

هاجر

جزاك الله خير أستاذنا وجعل كل ما تقدمه في موازين حسناتك ونفع بك ورزقنا الله واياك الاخلاص والقبول … إضافتي …
من زاد الحجيج إلى بيت الله العتيق وعلامة بر الحج وقبوله الخشوع، فالله سبحانه وتعالى إذا رزق الإنسان سلامة القلب بالإخلاص لوجهه، ورزقه الشعور بعظيم نعمة الله عليه، ورزقه سلامة اللسان والجوارح والأركان ؛ استقام في حجه فأقبل على الله قلباً وقالباً، أقبل على الله سبحانه وتعالى وهو يستشعر كل حركة يفعلها، وكل كلمة يقولها.الحج من أول لحظة فيه يدعو للخشوع، ويدعو للاستكانة والخضوع، فالمسلم من أول لحظة يخرج فيها من بيته تنبعث في نفسه ذكريات الآخرة، ويتحرك في قلبه ذكر لقاء الله سبحانه وتعالى، فاليوم يخرج مفارقاً لأهله وأولاده، وغداً هو غريب عنهم في سفره، وعن قريب يفارقهم بلا رجعة.وإذا قدم على الميقات فأزال ثيابه، وتجرد من لباسه لإحرامه، تذكر ساعة تنزع منها ثيابه وينزع من الدنيا فلا يعود إليها أبداً، فلا لا إله إلا الله من يوم لبست فيه ثيابك، وقد كتب الله جل جلاله ألا تنزع هذا الثوب الذي لبسته! فلا إله إلا الله من يوم لبست فيه ثيابك وكتب الله جل جلاله ألا تنزع هذا الثوب الذي لبسته وأنه ينزع منك! فإذا تجردت لإحرامك تذكرت هذه الساعة التي تنزع فيها من أهلك وأولادك وأحبابك وجيرانك، وإذا اغتسلت تذكرت خرير الماء عليك وأنت تغسل لكفنك ولحدك، وإذا صرت في جموع المؤمنين استشعرت في كل لحظة وأنت ضيف على الله رب العالمين.
من علامة الحج المبرور : أن يكون الحاج في كل حركة وفي كل سكون يستشعر هذه العبادة، يقول: (لبيك) بقلب حاضر وبلسان صادق، يستشعر معناها وما فيها من دلائل.قال العلماء: (لبيك) من لبى إذا أجاب وكأنه يأخذ العهد على نفسه أنه يستجيب لطاعة الله ربه إجابة بعد إجابة.وقيل: (لبيك): من لب الشيء وهو خالصه وناصحه وأفضله الذي لا شائبة فيه، فكأنك تقول: أنا على الإخلاص لك يا رب، وكأنك تعاهد الله على أن تكون أفعالك وأقوالك لوجهه سبحانه وتعالى، ليس فيها لأحد سواه حظ ولا نصيب.وقيل: (لبيك): من قولهم: داري تلب بدارك إذا جاورتها، فكأنك تقول: أنا مجاور لطاعتك، ومقيم عليها إقامة بعد إقامة، فكأنه يأخذ العهد على نفسه أن يقيم على طاعة الله، وأن يستقيم على محبة الله سبحانه وتعالى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *