الإجازة الصيفية 

نستقبل هذه الأيام (الإجازة الصيفية) وهي نوعٌ من أنواع الفراغ الكبير الذي يمر بأبنائنا وبناتنا أثناء الانتهاء من الدراسة النظامية ؛ فنجد البعض منهم يحرص على النجاح في دراسته ويتعب من أجل ذلك ؛ في حين لا يعبأ بالرسوب في التخطيط السليم لاستثمار (الإجازة الصيفية) واستغلالها بالحرص على الأوقات الثمينة .. فيتحول الليل إلى نهار .. ويكثر السهر إلى الفجر ..

ويبتعد عن قراءة الكتب وكل ماهو مفيد .. وتقل الأنشطة الثقافية بحجة الراحة من عناء الدراسة .. وهذا مالا ينبغي لمن يستجدي النجاح ويستشرف المستقبل المشرق ؛ فإن من مقومات النجاح والإبداع لكل إنسان في هذه الحياة ؛ المحافظة على الأوقات فهي نبضه وحياته:

دَقَاتُ قَلْبِ الـمَرءِ قَائِلَةٌ لَهُ
إنْ الحَيَاةَ دَقَائِقٌ وَثَوانِ

والقضاء على الفراغ في هذه الإجازة وفي غيرها من الإجازات ، لا يكون إلا بالتخطيط لاستثمارها بما يعود علينا وعلى أبنائنا بالنفع والفائدة وليكن شعارنا ( في وقت فراغي .. أجدد أفكاري) .

مستذكرين حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نِعْمَتَانِ مَغْبونٌ فيهِمَا كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَةُ والفَراغُ).

وإليك أخي القارئ وأختي القارئة رؤوس أقلام كنماذجَ مقترحةٍ للاستفادةِ من هذه الإجازة لتكونَ نبراساً لنا في تحقيق شعارنا الآنف الذكر وهي على النحو التالي:

أولاً:إلحاق الأبناء بالمراكز الصيفية:
وذلك للحفاظ على أوقاتهم ، والمحافظة عليهم ، واستغلال أوقاتهم ومواهبهم بما ينفعهم ، ويكون ذلك سبباً لإبعادهم عن رفقاء السوء:

حـي الشباب إلى الـمـراكـز أقبلوا يتسابقون لقطف علم يثمر

نسل الصحابة قـد أعدوا لمجدهم علماً قوياً للجهالة يـدحـر

ثانياً:تنمية المهارات:
فمن الأمور التي تستغل بها الإجازة الصيفية تنمية المهارات الفكرية كالقراءة والكتابة والحفظ ؛ وتعلم اللغات ، واستخدام الحاسب الآلي (الكمبيوتر) ؛ وكذلك المهارات البدنية والرياضية ، وألعاب القوى والدفاع عن النفس وغيرها.

ثالثاً:حفظ القرآن والسنة:
والإجازة فرصة للالتحاق بالدورات الخاصة لحفظ القران الكريم ، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك كما ثبت في الصحيح من حديث عثمان – رضي الله عنه – :(خيركم من تعلم القرآن وعلمه).

آياتهُ كلَّما طـال الـمدى جُدَدٌ يَـزِينُهنَّ جـلالُ العتقِ والـقـِدَمِ

يكـادُ فـي لفظةٍ مـنـه مشَرَّفةٍ يوصيك بالحقِّ والتقوى وبالرحمِ

وكذلك فرصة لحفظ السنة النبوية ، وتقام بالمسجد الحرام سنوياً عدة مسابقات خاصة في حفظ كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم كالصحيحين والأربعون النووية وغيرها من متون السنة ، وفرصة للطالب أن يلتحق بجائزة الأمير نايف لحفظ السنة النبوية بالمدينة المنورة.

رابعاً:حضور الدورات:
وفي كل عام تقام عدة دورات شرعية في مختلف الفنون على مستوى مناطق المملكة فينبغي أن نلحق أبنائنا وبناتنا بهذه الدورات للاستفادة منها ؛ وكذلك بعض الدورات التدريبية لرفع معنوياتهم وإكسابهم بعض الخبرات الإدارية والأسرية.

خامساً:زيارة الأقارب وحضور الولائم:
فإن الإجازة فرصة سانحة لرؤية الأقارب والأصدقاء الذين لا نتكمن من رؤيتهم أثناء الدراسة لبعد المسافات ، أو لكثرة الانهماك في العمل ، واصطحابهم لحضور بعض الولائم والمناسبات ، وذلك لإدخال السرور على قلوب أصحابها وإجابة لدعوتهم ، فهذا نبينا عليه الصلاة والسلام يقول كما في الصحيح من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – :(لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت).

سادساً:السفر والتنزه مع الأبناء:
بأخذهم في رحلة للتسلية وإبعاد السأم والملل عنهم ؛ بالذهاب لبعض البلاد الإسلامية لمشاهدة آيات الله في أرضه ، والتعرف على الشعوب والقبائل ، والإلمام بعاداتها وتقاليدها وهذا لا يتأتى إلا لمن لديه القدرة المالية على ذلك:

تغرب عن الأوطان في طلب العلى
وسافر ففي الأسفار خمس فوائد

تـفـرج هـم واكـتـسـاب معيـشة وعـلـمٌ وآدابٌ وصـحـبـةُ مـاجـد

وإن لم يتسنى السفر لبعض البلدان والأقطار الإسلامية لقلة ذات اليد ، فيمكن أخذهم في رحلة ماتعة إلى مصايف بلادنا الغالية ، للتعرف على المدن والمحافظات ، ولا سيما مكة والمدينة والمشاعر المقدسة والمعالم التاريخية بربوع بلادنا الحبيبة ، والذهاب لبعض الحدائق والمنتزهات لتعويضهم فترة الانشغال عنهم أثناء العمل.

وهناك بعض التنبيهات والمحاذير يجب التنبيه عليها من أهمها:

أولاً:السفر لبلاد غير إسلامية لغير حاجة:
وهذا مما يجدر التنبيه عليه لأهميته ولما يترتب عليه من مفاسد عظيمة ، تمس العقيدة والعبادة والأخلاق ؛ ولما ثبت من حديث جرير بن عبدالله – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) ويستثنى من ذلك كما ذكر علمائنا الأفاضل من سافر للعلاج ، أو طلب علم لا يوجد ببلاد المسلمين ، أو من سافر للدعوة إلى الله تعالى ، أو من مثل دولته سفيراً وراعياً لأحوال المبتعثين هناك ، أو من شارك في مؤتمرات علمية أو ثقافية أو حضور دورات تدريبية هناك.

ثانياً:إهمال الأبناء:
بعدم إشغالهم في الإجازة بما ينفعهم ، وتركهم متسكعون في الشوارع والطرقات دون رقيب ، بحجة التمتع بالإجازة ، فهم أمانة في أعناقنا مسئولين عنها أمام الله تعالى ، لـما ثبت من حديث عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته).

ثالثاً:كثرة النوم:
بأن تجعل الإجازة فرصة للنوم والاسترخاء ، مما يترتب عليه إضاعة الصلوات والتكاسل عنها ، وإرهاق الجسم بكثرة النوم فيخمل ويكسل عن أداء الطاعات والقيام بالواجبات:

دَعِ التَكَاسُلَ في الخيراتِ تطلبها فليسَ يسعدُ بالخيراتِ كسلانُ

رابعاً:تشتيت الإجازة:
ويكون ذلك بإضاعتها دون ترتيب لما يقام به من الأعمال ، فينبغي للمسلم أن يحافظ على وقته لأن الوقت هو الحياة ؛ بما يعود عليه وعلى أسرته بالنفع والفائدة.

ويتضح لنا مما تقدم بأن (الإجازة الصيفية) ماهي إلا فترة للاستجمام المفيد والمنضبط بضوابط شرعية للخروج من دائرة رتابة اليوم الدراسي والروتين الأسبوعي ؛ إلى برنامج مفتوح لصقل المواهب والمهارات ورفع المعنويات نحو طريق الطموح والتألق والنجاح:

ومـا نيلُ الـمـطـالبِ بالتمنِّي
ولكنْ تـؤخذُ الدُّنيا غِلابا

ومـا استعصى على قوم منالٌ
إذا الإقدامُ كان لهم ركابا
***

مقالات سابقة للكاتب

8 تعليق على “الإجازة الصيفية 

هاجر

اختيار موفق لموضوع المقالة وتناول عناصر الموضوع بأسلوب واضح وبسيط جزاك الله خير الجزاء …
ولكن من وجهة نظري المتواضعه معنى استثمار الوقت هو اعمق من الاستفادة من ٢٤ ساعة او إجازة صيفيه……. وغيرها
مثال استثمار عشر ريالات لا يعنى صرفها لما تحتاج ولكن استثمارها بأن تصرفها على احتياجاتك وتتضاعف على الأقل إلى عشرين ريالاً
كذلك الوقت لأنه يمثل العمر الحقيقى للإنسان وهو ما يسمي بالعمر الفعلي الذي يحدد منزلة الإنسان في الآخرة.. لذلك ينبغي أولاً معرفة رصيد العمر بشكل عام، مثال لو عاش إنسان ستين سنة وكان ينام ثماني ساعات في اليوم هذا يعني أنه قضى عشرين سنة من عمره في النوم وكذلك باقي نشاطات يومه ..
لذلك اقترح عمل جدول الميزانية اليومية للوقت ، بمعنى كيف تصرف اربعة وعشرين ساعة على النشاط اليومي لتستفيد في الدنيا وتضاف إلى عمرك الفعلي في الآخرة على سبيل المثال تحري مواسم العبادة صيام يوم عرفة بمثابة إضافة سنتين لعمرك الفعلي، استغفار ، قيام ليلة القدر بمثابة إضافة ثلاث وثمانين عاماً وثلاثة أشهر وثلاثة وثلاثين يوماً إلي عمر الإنسان، الصلاة في الحرم المكي الشريف الفرض بالف فرض ، وهكذا .
لذلك ممكن تحول فترة النوم في المثال السابق إلى عبادة بالنية فقط
قال تعالى ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لاشريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين )

مريم الطيب شاهد

جزاك ربي خيرا

ومـا نيلُ الـمـطـالبِ بالتمنِّي
ولكنْ تـؤخذُ الدُّنيا غِلابا

ومـا استعصى على قوم منالٌ
إذا الإقدامُ كان لهم ركابا

زاد المتقين

جزاك الله خيرا وبارك الله فيك وفي علمك وعملك..وسدد خطاك..والبسك الله لباس التقوى والصحة والعافية

أم صالح

كلام جميل ورائع
زادك الله علما
ورزقناالعمل به

بنت أبو مريم

بخصوص بعض الناس (التي تقضي وقت فراغها ف وقت فراغ ألأخرين)
ف السوشال ميديا وغيره
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأنصاره وسلم تسليما

شوقية الانصاري

بورك هذا القلم الناصح بالخير بين الأمم
وبوركت أسرة واعية جعلت طفلها في أهدافها السامية
وشاركته الدهشة حتى يجد بابا للإبداع
برفقة كتاب الطفل يطرق كل باب ✍🏻

غير معروف

مقال جميل جدا بارك الله وفي قلمك جزاك الله خير في ميزان حسناتك يا رب

هاجر

جزاك الله خير الجزاء استاذنا على التذكير الدائم استثمار اوقاتنا : كما نحمد الله اولا باننا مسلمين فقد تكفل الاسلام في تنظيم حياه الفرد والاستفاده من كل لحظه من حياته وهذه الإجازة الصيفيه غنيه بأوقات مباركه فقد اشتملت٤ على
( ليالي العشر & يوم عرفة & شهر الله المحرم & تاسوعاء عاشوراء ) ناهيك عن الاوقات الفاضيله في كل الشهور (يوم الجمعة& صيام الأثنين والخميس & صيام الأيام البيض ١٣’١٤’ ١٥ ) بالإضافة العبادات اليومية وعبادات التواصل والتعامل مع بعضنا البعض .. ثم تأتي الإجازة الصيفيه لإتاحة المزيد من الوقت ومراجعة التقصير وترتيب الأولويات للجميع حتى لما هم في البيوت
وقوله تعالى : ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين )
وقال صلى الله عليه وسلم : إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فأعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *