إذا كان الرفق أمرا مطلوبا في مختلف تعاملاتنا الحسية .. فإن هذا المعنى يمكن ان ينسحب فيما يختلج في صدورنا !!
بمعنى ان الاندفاع تجاه ما يظهر لأول وهله قد يكون (فخا) يضرك أكثر مما يسرك !!
القضية التي أطرحها وأشعر بأننا بحاجة للتعامل معها بدقة هي ما أسميتها ب ( سلطة الانطباعات) !!
بعضنا ( قل او كثر ) من الناس ينساق خلف انطباعاته الأولية تجاه ما يشاهد او يسمع او يقرأ !! دون ان يجعل ذلك تحت مجهر ( التدقيق) فيما يفيده او يضره !!
اليوم تشدك عناوين براقة .. أو إعلانات وهمية .. او حتى صور خداعة .. وإذا انجرفت خلفها صُدمت .. وخَسرت .. وتضررت!!!
عصر التواصل الاجتماعي اليوم تكثر فيه المكاييج .. والمساحيق .. والفلاتر التي تقلب موازين الرؤية الأولية !!
ولذلك أحاول ان أطرح ( سلطة الانطباعات) كي نحذر من آفاتها .. وجاذبيتها الخداعة.
استحضر هنا حديثا نبويا ربما يشخص لنا المشهد حيث روى أحمد (5113) عن ابن عمر قال: ( مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام وقد حسّنه صاحبه ، فأدخل يده فيه ، فإذا طعام رديء فقال: بع هذا على حدة ، وهذا على حدة، فمن غشنا فليس منا ) وصححه محققو المسند.
وهنا درس نبوي في أن الانطباع الاولى له محاذيره .. حيث يحسن الباعة والمروجون لبضائعهم أشكال ما يعرضون ثم يغتر ( ينغتر) من يشاهد فيشتري او يعجب او يحترم بناء على انطباعه الأول !!
ولذلك ( غمس) الرسول ﷺ
يده في الداخل ورأى الغش والكذب والتحايل .. فقال ( من غش فليس منا) .. !!
وهنا لنستحضر ( أسلوب الغمس) حتى نستكشف حقيقة ما يعرض او حقيقة الشخصيات او المشروعات التي أمامنا ولا نتوقف او نعتمد على ( سلطة الانطباعات ) الأولية فنكون قد غششنا أنفسنا بأنفسنا!!
وهذا (الغمس) يعني ان نحلل ونشخص ونتأمل أثر هذا الأمر على انفسنا وعلى مجتمعنا وعلى أسرنا وعلى وطننا !!
الحكم على الأشياء من أول وهله يحتاج منا لوقفات !!
فكم من :
شخص .. او مشروع .. او قرار .. او حكاية .. او وشاية .. أو برنامج .. او علاقة .. تم اتخاذ موقف انطباعي عنها خلاف ما يجب أن يكون ( سواء بالمدح أو القدح) !!
فقد يكون بين الناس مشاحنات ومواقف وخلافات كلها تؤثر على الانطباعات.
الصور لا تعبر بالضرورة عن الحقائق !!
وتأمل حدثين في آيتين عظيمتين فيهما دروس .. الأول
(فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها) أي ماء .. والأمر ليس كذلك إنما هو ( صرح ممرد من قوارير) أي أملس من زجاج .. والثانية هذا التصوير الرباني البديع (والذين كفروا اعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ) وهكذا نظن المظاهر الخداعة ( السراب) أنها حقائق وهي ليست كذلك !! حينما نقف على حقيقتها.
أتصور بأن الذي ينجرف خلف الانطباعات الأولية او لأول هله ربما تنقصه الخبرات في الحياة .. ولذلك ينخدع ( الشباب والشابات) بمزيفات كثيرة سواء فيما يعرض او يقال او يشاهد !!
ولذلك كان الاهتمام هنا ( في هذه المقالة) بالتأكيد على تشخيص معادلة ( سلطة الانطباعات ) وأن نتأنى في الحكم على الأشياء حتى نتأكد من سلامة الأمر فيما لا يضر ديننا ودنيانا.
الكتاب (لا يقرأ من عنوانه ) دوما .. فهناك عناوين براقة وجذابة وحينما ( تغمس) اي تتصفحها تجدها مضيعة وقت !!
وهكذا المعروضات والشخصيات والمشروعات !!
دائما الصراع بين العقل والعاطفة يحدث .. ومع ذلك يحتاج الإنسان لأن يراجع مواقفه وانطباعاته وما إذا كانت في صالحه أو على حساب مصالحه .. وكلنا دون استثناء بحاجة لمراجعة معادلة ( سلطة الانطباعات) !!
واخير للاهمية :
كل عاطفة إعرضها على العقل وكل عقل محتاج لعاطفة
وكل عاطفة وعقل إعرضهما على ( الشرع) فهو الضابط دوما وعلى كل حال لكل مشاعرنا وأفكارنا ومن ثم تصرفاتنا.
أ.د خالد بن عبدالعزيز الشريدة
مقالات سابقة للكاتب