الحمدُ لله وحدهُ والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده ، وبعد
كان من الممكن أن يُطرح السّؤال في بدايةِ هذا المقال بِطريقةٍ أُخرى: متى سيتغير العَالم ؟ وَلكن عَلى ما يبدو أنَّ هذه الصِّيغة لم تعد تُناسب ما يجري اليوم من أحداثٍ جِسَام ، فالعالم الآن بمجتمعاته وتركيبته قد تغير فعلاً ، أو في طريقه إلى التغيير الشامل.
نعم ؛ فلنستيقظ من سُباتنا العميق ؛ فالعالمُ قد تغيَّر جزء كبير منه ، ولم يعد كما كان عليه قبل سنوات .
كما أنَّ العالمُ يقترب رِويداً رويداً من نهايةٍ محتومةٍ قررَّتها جميع الشرائع السماوية ويتجه إلى اليوم الأخير منه ، لكن ما أقصده هُنا أنَّ التغيير مدار بداية حديثي ليس بسبب ما يَحدُث مِن حُروبٍ مدمِّرة ، وما يشهده العالم من أزماتٍ اقتصادية حَادة، وثورات متلاحقة عارمة ، وزوال أنظمة سياسية ، وأوبئة فتاكة ؛ فالتغيير المقصود هُنا تغيير جَوهر وقيم سُكان العالم ، وبناءِ نظامٍ عالمي لمستقبلٍ آخر للعالم يُعَدُّ وفق سيناريوهات مختلفة من قبل قوىٍ ظلامية .
يتجهُ دُعَاة الشَّر والرَّذيلة بقيادةِ إبليس – شيطانهم الأكبر – إلى هذا التغيير الجوهري قبل هذه النهاية ، وقيام السَّاعة وانتهاء علاماتها الصغرى ، وبداية ظُهور علاماتها الكبرى ، وموت الخَلْق كُلهم بِصيحةٍ وَاحدةٍ قال الله تعالى : ]اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ[
وتغييرهم المتلاحق المتسارع هذا بما يُعرف بالثورة الأخيرة العظيمة ، هَدَفها الأسمى حصاد أكبر عدد ممكن من أرواح البشر ، بتغيير دينهم وَسُلوكهم وفطرتهم ونمط تعليمهم ، وأن يُلقى الإنسان جرَّاء ذلك في الجحيم، وَيحرم من الجنَّة .
لذلك دَعونا نعترف وبلحظاتِ يأسٍ وشعورٍ بالخيبةِ وبالمرارةِ وبرصدٍ لما يحدث في السنوات القليلة الأخيرة من أحداثٍ ، وكلها يُغذِّي بعضها بعضاً
• أنَّ اسْتِشْرَاء الفكر الإلحادي بضجيجه وتقنياته وصور دعمه ما كان ليأخذ مكانه ويتسع بين كثيرٍ من أفراد المجتمعات لَولا أنَّ له من بني جلدتنا داعم ومؤازر ، وقلَّ من يُعكر هَواءهم ناصح ، وأنَّ هَذا الفكر لا يلبث أن يَظهر .
• وأنَّ دُعاة المثليَّة والجندرية قد وجدوا لهم سُوقاً ودُعاة وَنُشطاء في هذه المجتمعات بل ومن انضمَّ إليهم يسوّقون لهم شُذوذهم ، ومجونهم بهدف تغيير طبيعة البشر السليمة ، وقد تعالت أصوات نعيقهم ، ومأسسة حركاتهم بدون أي رادع حقيقي .
• وأنَّ الجرأةَ من الأعداء على تغيير أُسس وَقيم الأُسرة في المجتمعات بأساليب نظامية بِحُجَّة القَضَاء على التمييز ضد المرأة ، وَالمساواة بين المرأة والرجل ، وتمكين المرأة
وَما كانت لتحدث بهذه الطريقة لَولا أن وجدوا نساءً من هذه المجتمعات من تؤيِّد وَتؤازر ؛ فخرجنَّ تلك النسوة في مُظاهرات مَدْفُوعات ، وَعَقَدْنَ التجمُّعَات ، وكتبنَ اللافتات يُطالبن بالحرية للمرأة في ظلِّ غيابٍ وفهمٍ حقيقي من تلكم النساء عن ادراك أبعاد هذه التغييرات المستقبلية على الأُمَّة ، والأجيال القادمة ؛ بتشجيعٍ ودعمٍ من رجالٍ وفئاتٍ وجهاتٍ تحمل أجندة مَشبوهة .
• ولنعترف أنَّ الفسادَ بأنواعه قد استشرى بقوة في هذه المجتمعات ولم تعد جهة قادرة واحدة على ضبط وكبح جماحه ، وفرسان هذا الفساد من أفراد ومن أبناء هذه المجتمعات يَطلون على مُواطنيهم في كلِّ يومٍ مُبتسمين مطالبين بوأد الفساد ، ومُحاربة أصحابه .
• وأنَّ مجتمعات كاملة في الأغلب بغير إرادتها تتجه عُنوة وبقوة وتُسيَّر إلى التغيير الشامل في قيمها ومعتقداتها إرضاء للأعداء في ظلِّ فرض مُتغيراتٍ تغيرت فيها حتى مفاهيم الحلال والحرام .
• وأنَّ كثيرا من محطات الإعلام المتهاوي في هذه المجتمعات تُمارس سياسة تغيير فكر الأفراد بمضامين وتُهَيؤهم لتقبِّل اتجاهات جديدة أو تُنفرهم منها ، وصناعة النموذج السيء.
• وأنَّ دعوة الخير والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كثيرٍ من هذه المجتمعات قد ضَعفت أو تُربِّص بها ، وضُيِّق عليها .
وختاماً
إن آجلاً أم عاجلاً بسبب هذا وغيره سَيقع النَّدم والخزي في هذه المجتمعات الَّذِي ما بعدهُ إلا الحَسْرَة والضياع والخَسَارة ، ويتسلَّط عندها علينا أعدائنا ، وتدفع أجيالنا القادمة ثمن هذا الهوان والترَاخي.
فإنَّ انحراف فردٍ واحد في بيتٍ ، أو أُسرة كإطار أكبر ، أو في مجتمعٍ كإطار أعظم ، أو في بيئة عمل معينة وتركه يخرج عن خط السير المستقيم فيه دمار وفساد ليس فقط على نفس هذا المنحرف ؛ بل سيشمل الجميع ، ويدمِّر الجميع مهما طال الزَّمن ؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وعند الله تلتقي الخصوم.
د. منذر القضاة
مساعد عميد كلية القانون
في جامعة عمان العربية
مقالات سابقة للكاتب