دَعُونَا نَعْتَرِفُ.. هَل تغيَّر العَالم فِعْلاً ؟

الحمدُ لله وحدهُ والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده ، وبعد
كان من الممكن أن يُطرح السّؤال في بدايةِ هذا المقال بِطريقةٍ أُخرى: متى سيتغير العَالم ؟ وَلكن عَلى ما يبدو أنَّ هذه الصِّيغة لم تعد تُناسب ما يجري اليوم من أحداثٍ جِسَام ، فالعالم الآن بمجتمعاته وتركيبته قد تغير فعلاً ، أو في طريقه إلى التغيير الشامل.

نعم ؛ فلنستيقظ من سُباتنا العميق ؛ فالعالمُ قد تغيَّر جزء كبير منه ، ولم يعد كما كان عليه قبل سنوات .

كما أنَّ العالمُ يقترب رِويداً رويداً من نهايةٍ محتومةٍ قررَّتها جميع الشرائع السماوية ويتجه إلى اليوم الأخير منه ، لكن ما أقصده هُنا أنَّ التغيير مدار بداية حديثي ليس بسبب ما يَحدُث مِن حُروبٍ مدمِّرة ، وما يشهده العالم من أزماتٍ اقتصادية حَادة، وثورات متلاحقة عارمة ، وزوال أنظمة سياسية ، وأوبئة فتاكة ؛ فالتغيير المقصود هُنا تغيير جَوهر وقيم سُكان العالم ، وبناءِ نظامٍ عالمي لمستقبلٍ آخر للعالم يُعَدُّ وفق سيناريوهات مختلفة من قبل قوىٍ ظلامية .

يتجهُ دُعَاة الشَّر والرَّذيلة بقيادةِ إبليس – شيطانهم الأكبر – إلى هذا التغيير الجوهري قبل هذه النهاية ، وقيام السَّاعة وانتهاء علاماتها الصغرى ، وبداية ظُهور علاماتها الكبرى ، وموت الخَلْق كُلهم بِصيحةٍ وَاحدةٍ قال الله تعالى : ]اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ[

وتغييرهم المتلاحق المتسارع هذا بما يُعرف بالثورة الأخيرة العظيمة ، هَدَفها الأسمى حصاد أكبر عدد ممكن من أرواح البشر ، بتغيير دينهم وَسُلوكهم وفطرتهم ونمط تعليمهم ، وأن يُلقى الإنسان جرَّاء ذلك في الجحيم، وَيحرم من الجنَّة .

لذلك دَعونا نعترف وبلحظاتِ يأسٍ وشعورٍ بالخيبةِ وبالمرارةِ وبرصدٍ لما يحدث في السنوات القليلة الأخيرة من أحداثٍ ، وكلها يُغذِّي بعضها بعضاً
• أنَّ اسْتِشْرَاء الفكر الإلحادي بضجيجه وتقنياته وصور دعمه ما كان ليأخذ مكانه ويتسع بين كثيرٍ من أفراد المجتمعات لَولا أنَّ له من بني جلدتنا داعم ومؤازر ، وقلَّ من يُعكر هَواءهم ناصح ، وأنَّ هَذا الفكر لا يلبث أن يَظهر .
• وأنَّ دُعاة المثليَّة والجندرية قد وجدوا لهم سُوقاً ودُعاة وَنُشطاء في هذه المجتمعات بل ومن انضمَّ إليهم يسوّقون لهم شُذوذهم ، ومجونهم بهدف تغيير طبيعة البشر السليمة ، وقد تعالت أصوات نعيقهم ، ومأسسة حركاتهم بدون أي رادع حقيقي .
• وأنَّ الجرأةَ من الأعداء على تغيير أُسس وَقيم الأُسرة في المجتمعات بأساليب نظامية بِحُجَّة القَضَاء على التمييز ضد المرأة ، وَالمساواة بين المرأة والرجل ، وتمكين المرأة

وَما كانت لتحدث بهذه الطريقة لَولا أن وجدوا نساءً من هذه المجتمعات من تؤيِّد وَتؤازر ؛ فخرجنَّ تلك النسوة في مُظاهرات مَدْفُوعات ، وَعَقَدْنَ التجمُّعَات ، وكتبنَ اللافتات يُطالبن بالحرية للمرأة في ظلِّ غيابٍ وفهمٍ حقيقي من تلكم النساء عن ادراك أبعاد هذه التغييرات المستقبلية على الأُمَّة ، والأجيال القادمة ؛ بتشجيعٍ ودعمٍ من رجالٍ وفئاتٍ وجهاتٍ تحمل أجندة مَشبوهة .
• ولنعترف أنَّ الفسادَ بأنواعه قد استشرى بقوة في هذه المجتمعات ولم تعد جهة قادرة واحدة على ضبط وكبح جماحه ، وفرسان هذا الفساد من أفراد ومن أبناء هذه المجتمعات يَطلون على مُواطنيهم في كلِّ يومٍ مُبتسمين مطالبين بوأد الفساد ، ومُحاربة أصحابه .
• وأنَّ مجتمعات كاملة في الأغلب بغير إرادتها تتجه عُنوة وبقوة وتُسيَّر إلى التغيير الشامل في قيمها ومعتقداتها إرضاء للأعداء في ظلِّ فرض مُتغيراتٍ تغيرت فيها حتى مفاهيم الحلال والحرام .
• وأنَّ كثيرا من محطات الإعلام المتهاوي في هذه المجتمعات تُمارس سياسة تغيير فكر الأفراد بمضامين وتُهَيؤهم لتقبِّل اتجاهات جديدة أو تُنفرهم منها ، وصناعة النموذج السيء.
• وأنَّ دعوة الخير والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كثيرٍ من هذه المجتمعات قد ضَعفت أو تُربِّص بها ، وضُيِّق عليها .

وختاماً
إن آجلاً أم عاجلاً بسبب هذا وغيره سَيقع النَّدم والخزي في هذه المجتمعات الَّذِي ما بعدهُ إلا الحَسْرَة والضياع والخَسَارة ، ويتسلَّط عندها علينا أعدائنا ، وتدفع أجيالنا القادمة ثمن هذا الهوان والترَاخي.

فإنَّ انحراف فردٍ واحد في بيتٍ ، أو أُسرة كإطار أكبر ، أو في مجتمعٍ كإطار أعظم ، أو في بيئة عمل معينة وتركه يخرج عن خط السير المستقيم فيه دمار وفساد ليس فقط على نفس هذا المنحرف ؛ بل سيشمل الجميع ، ويدمِّر الجميع مهما طال الزَّمن ؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وعند الله تلتقي الخصوم.

د. منذر القضاة
مساعد عميد كلية القانون
في جامعة عمان العربية

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *