ﺍﻟﺤﻤﺪُ ﻟﻠﻪِ ﻣُﻌِﺰِ أًولِياءِهِ ﺑﻨَﺼْﺮﻩ، ومُهْلِك الطواغِيتَ بقُوتِهِ وقَهْرِه، ﻭﻣُﺼﺮِﻑِ ﺍﻷﻣُﻮﺭَ ﺑﺄﻣﺮﻩ، ﻭﻣُﺴْﺘَﺪﺭﺝ ﺍﻟﻜﻔﺎﺭ ﺑﻤﻜﺮﻩ ، ﺟﻌﻞ ﺍﻟﻌﺎﻗﺒﺔ ﻟﻠﻤﺘﻘﻴﻦ ﺑﻔﻀﻠﻪ، ﻭﺃﻇْﻬﺮَ ﺩِﻳﻨَﻪُ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻛُﻠِّﻪ، ﺍﻟﻘﺎﻫﺮُ ﻓﻮﻕَ ﻋﺒﺎﺩه ﻓﻼ ﻳُﻤﺎﻧﻊ، ﻭﺍﻟﻈﺎﻫﺮُ ﻋﻠﻰ ﺧَﻠِﻴﻘَﺘِﻪِ ﻓﻼ ﻳُﻨَﺎﺯﻉ، ﻭﺍﻵﻣﺮ ﺑﻤﺎ ﻳﺸﺎﺀ ﻓﻼ ﻳُﺮﺍﺟﻊ، ﻭﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺑﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪ ﻓﻤﺎ ﻳُﺪﺍﻓﻊ، ﺃﺣﻤﺪﻩ ﻋﻠﻰ إﻇﻔﺎﺭﻩ، ﻭﺇﻇﻬﺎﺭﻩ، ﻭﺇﻋﺰﺍﺯﻩ ﻷﻭﻟﻴﺎﺋِﻪِ، ﻭﻧَﺼْﺮِﻩِ ﻷَﻧْﺼَﺎﺭﻩ ، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد…
تَأتِي ذكرى عَاشُوراء – أيها الأحبة – مَلِيئة بالدروسِ لمن أراد أن يَتَعلَّم، وبالعِبر لمن أراد أن يَعْتَبر ، فهِي تُعلمُنا كيفَ نصنَعُ الأمَلَ ونستشرِفُه، تُعلمُنا أن نترقبَ ولادةَ النَّور من رحِمِ الظُلمةِ، وأن نتفاءلَ بخروجِ الخيرِ من قلبِ الشَّرِ، وانبثاقِ الفَرجِ من كَبدِ الأزماتِ، وأنَّ في طياتِ كلِّ مِحنَةٍ مِنحَةٌ، ومعَ كُلِّ ألمٍ هُناكَ أملٌ، ومعَ كُلِّ بلِيةٍ هُناكَ عَطيّة. قال تعالى:﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢١٦].
فمن الدروس والعبر المستفادة مما وقع في يوم عاشوراء:
أولًا: العناية بقصص الأنبياء.
قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ…﴾ الآية. [يوسف: ١١١] يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي -رحمه الله -: والعِبْرة قد تمرُّ، ولكن لايلتفت إليها إلا العاقل الذي يُمحِّص الأشياء، أما الذي يمرُّ عليها مُرور الكرام؛ فهو لا يستفيد منها.
ثانيًا: من الدروس المستفادة من يوم عاشوراء: أن الحذر لا ينفع من القدر، فإن الذي خاف منه فرعون وقتَّل أبناء بني إسرائيل لأجله، قيَّض الله أن ينشأ هذا الغلام في بيت فرعون ويتربى تحت يده وعلى نظره وفي كفالته.
ثالثًا: من الدروس المستفادة من ذكرى يوم عاشوراء: أنه حدث تأريخي في حياة البشرية، ونقطة تحول في حرب الإيمان مع الكفر، فهو يوم انتصار ونجاة وشكر، لنبيين كريمين(نوح و موسى) – عليهما السلام – في يوم واحد تعدلت الموازين، وطاش ميزان الكفر والإجرام والطغيان، وطاشت كل حسابات المجرمين، مكرهم، تدبيرهم، سخريتهم شائعاتهم، فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا.
رابعًا: من الدروس المستفادة من ذكرى يوم عاشوراء: أنه دليل على تنوع النصر بالنسبة للمسلمين، فقد لايكون النصر على الأعداء بهزيمتهم والغنيمة منهم، بل أحيانًا يكون النصر عليهم بهلاكهم وكفاية المسلمين شرهم كما حدث مع موسى – عليه السلام- وكما حدث مع النبي – صلى الله عليه وسلم – في الخندق.
خامسًا: من الدروس المستفادة من ذكرى يوم عاشوراء: أن الله بقدرته يجعل مكان الهلاك للظالم هو نفسه مكان النجاة للمظلوم، ووسيلة الهلاك للظالم هي نفسها وسيلة النجاة للمظلوم ، فالطوفان الذي أغرق الله به قوم نوح هو نفس الطوفان الذي حمل سفينة نوح حتى استوت على الجودي ، والبحر الذي شقه الله لموسى وقومه هو نفس البحر الذي أغرق الله به فرعون وجنوده.
سادسًا: من الدروس المستفادة من ذكرى يوم عاشوراء: أن قدَرَ الله -تعالى- عندما ينزل على الظالمين تكون حسرتهم مفجعة ومزلزلة، لأنهم لم يتخيلوا اليوم الذي يجردون فيه من كل هذا المُلك والنعيم.
سابعًا: من الدروس المستفادة من يوم عاشوراء: أن يسطر لنا التاريخ أكبر عملية إنقاذ ونجاة شهدتها البشرية ، عندما قال الذين استضعفوا من قوم موسى لموسى:{إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} ، لأنهم كانوا يخشون وقوعهم بين أحد مهلكين إما الغرق وإما تحت سياط فرعون ، فكان النداء المدوي من موسى في تلك اللحظات العصيبة الذي ارتجت له الأفاق بكل ثبات ويقين {كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}.[الشعراء: ٦٢] ، فكان المدد والإمداد من الله: {فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ}.[الشعراء: ٦٣ – ٦٦ ].
ثامنًا: من الدروس المستفادة من يوم عاشوراء: أن من آيات الله أن فرعون لم يكتف بخروج بني إسرائيل من مصر، بل تبعهم هو وجنوده، فيَمْضِي قَدَرُ اللهِ ويتم ما أراده – سبحانه – فيخرج فرعون بطوعه واختياره، ومعه آلُه وأعوانُه، ليتم أمرُ الله فيهم، فسبحان من هذا أمرُه، وتلك حكمته ، ففرعون لو كان عنده ذرة عقل أو ذرة ربوبية وعلم؛ لفرح بخروج موسى ومن معه، لتخلو له أرضُ مصر ممن يرى أنهم أعداؤه، ولكن الله يريد، والعبد يريد، ولايتم إلا ما يريده الله – سبحانه – .
تاسعًا: من الدروس المستفادة من يوم عاشوراء: أنه يجب أن نوقن بوعد الله، وأن طريق النصر ليس مفروشاً بالورود والرياحين، بل هو: إيمان، وجهاد، ومحنة، وابتلاء، وصبر، وثبات، وتوجُّهٌ إلى الله وحده، ثم يجيء النصر، وهذا ما يُرجى لإخواننا الصادقين في كل مكان ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾[غافر: ٥١ – ٥٢].
وأخيرًا: من الدروس المستفادة من يوم عاشوراء: أنه إذا تعددت مسالك الطرق أمامك فأسلك طريق موسى ومن معه، ولاتسلك طريق فرعون ومن معه.
هذا ما تيسر إيراده، وتوفر إعداده، وأعان الله عليه، من بعض الدروس والعبر، وحسْبُك من القلادة ما أحاط بالعُنُق.
وأسأل الله أن ينفعنا بها، وأن يتولانا برحمته، وينصر دينه وكتابه وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم – والحمد لله رب العالمين.
حسن مهدي قاسم الريمي
مقالات سابقة للكاتب