تربية القطط 

انتشرت ثقافة تربية الحيوانات الأليفة والعناية بها في السنوات العشر الأخيرة بصورة واسعة، وأصبحت شعاراً للرفاهية والتباهي و (الهياط) لدى الكثيرين، وتزامن معها انطلاق فرق تطوعية تحمل شعارات التبني والإطعام والإنقاذ، وسارعت إلى التقاط القطط من الطرقات والحدائق والمرافق العامة ومعالجتها وعرضها للتبني، مع مطالبات للجهات الخيرية بإنشاء مأوى لها وتأمين الطعام المجفف – الذي يفوق سعره سعر حليب الأطفال – ، إضافة إلى التكفل بالعلاج وشراء الأدوية باهظة الثمن لها ..

كل ذلك خطوات ميمونة ومباركة إذا احتسبوا الثواب ، ولكن من المهم جداً توعية الفرق التطوعية المتخصصة في رعاية الحيوانات الأليفة أو كما يحلو لهم تسميتها (Pets) بضرورة التفريق بين القطط المستوردة والقطط البلدية، فالنوع الأول من بيئة مغايرة لبيئة البلد من حيث الطبيعة والمناخ والغذاء ودرجة الذكاء .

فلا يعقل أن نلتقط جميع القطط (الشوارعية) على عللها من بيئتها الطبيعية التي تعيش فيها بتكيف وتصالح إلى مأوى قفصي يشبه الزنزانة ، و نحد من حريتها في التنقل واللعب والبحث عن طعامها، ونرغمها على نوع واحد من الغذاء وقد لا تستسيغه كالأطعمة المجففة، وأيضاً نحرمها من صغارها المختبئين في زاوية ما هنا أو هناك ! ونحرمها من الهواء النقي مصدر سعادتها، وضوء الشمس الذي يقوي مناعتها ، بدعوى الحرص والاهتمام و (الرفق بالحيوان)، ولو أمكنها أن تنطق لقالت : دعونا وشأننا ..
فما هكذا يا سعدُ تورد الإبل !

إن الله سبحانه وتعالى له حكمة في خلق الكائنات في العالم؛ إذ هيأ لكل بقعة مخلوقات تتكيف مع تضاريسها وطقسها ومواردها الغذائية، فترى الطيور الجارحة في قمم الجبال الشاهقة ، وفي الصحاري القاحلة نجد الإبل والزواحف، وفي الأماكن الجليدية هناك الدببة والبطاريق وغيرها من الكائنات المهيئة لتحمل ظروف كل بقعة.

والقطط أيضاً منها ما خلقت للجبال، ومنها للقفار، وبعضها للأماكن الباردة ، ونلاحظ ذلك في قلة فرائها ووفرتها ، وسعة عيونها، وطول قوائمها، ونمط غذائها، وسلوكها الذكائي.

فلا يعقل أن نلبس معطف الشتاء في الصيف، ولا أن نسير في الصحراء بلا زاد وماء .

إنها موازنة الله سبحانه للعالم ، أن يخلق المتضادات والمختلفات؛ الليل والنهار، والذكر والأنثى، والحزن والفرح، والشقاء والسعادة.
وقد قيل :
والضدُ يظهر حسنَه الضدُ
و بضدها تتمايز الأشياءُ

ثم ظهر لنا فئة من الناس بالغوا في العناية بالقطط أكثر من الإنسان ! إما حباً وإما رياءً وإما جمعاً للتبرعات.

و أجزم – ولا أحنث إن أقسمت – أنهم يدفعون أموالاً طائلة للعيادات البيطرية لعلاج حيوان أليف ، ولا يحركون ساكناً لعلاج طفل أو امرأة أو شيخ مسن.

من هذا الذي عبث بمفهوم الإحسان فمنعه عن الإنسان، وحصره في الحيوان؟

إننا نتطلع إلى أن تمنهج الجهاتُ المختصة في حماية البيئة هذا العبث، وتبادر إلى احتواء الفرق التطوعية وإرشادهم من خلال دورات علمية وميدانية، حتى لا تُهدر في الميدان جهودهم وتمتلئ بالقطط المشردة بيوتهم، وتكون كارثة على المجتمع من انتقال الأمراض إلى الأطفال والنساء ، وقد ينتج عن ذلك حبسها لاتقاء عدوى أو رميها على قارعة الطريق بحالة مزرية.

ونذكر مربّي ومحبي القطط بأن امرأة دخلت النار في هرة حبستها، فلا هي أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض.

 

أحمد القاري
[email protected]

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *