قيمة الإنسان ومكانته من قيمة دولته ومكانتها ، … ومن يحمل همّ وطنه يحمل في نفس الوقت همّ قِيَمه ومن هنا التفريق بين همّ الوطن/ المجتمع وقيمه وثقافته.. ومن يسكنه.. هو تجريد للإنسان عن روح مجتمعه، وبالتالي التفاعل معه بما يحقق ذاته، الفردية والاجتماعية. فأن من يحمل همّ دينه وقيمه هو في حقيقة الأمر يحمل هم مجتمعه – شعر أم لم يشعر – والعكس صحيح فمن يحمل همّ وطنه كان لزاماً عليه أن يحمل هم قيمه وثقافته ومبادئها.. ذلك أن هذا البعد هو أحد مرتكزات وطنه … بل أصلها، ومن هنا تتكامل كل من الأبعاد الوطنية والاجتماعية مع المقاصد الإسلامية.
وفي ذكرى توحيد البلاد على يد المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه في يومها الوطني 92، نتذكر إن الاحتفاء بالوطن لا يقتصر على يوم.. بل كل أيامنا للوطن. وإن كان يوم الوحدة والتأسيس له عمقه وبعده التاريخي والسياسي والاجتماعي في عقلية الشعب السعودي. ولكل دولة أيام تعتزّ وتحتفل بها، فأيام الاستقلال الوطني مثلاً تتخذها الدول ذكرى وفرصة واحتفالاً للانعتاق من نير الاستعمار وجوره.
وهنا أبعث برسالتين إلى كل مواطن… بل ومقيم في أرض الحرمين الشريفين ألخصها في الآتي:
الرسالة الأولى: أود الإشارة إلى ملمح وسبق تاريخي للخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك أن حكمة الفاروق رضي الله عنه جعلته يؤرّخ للمسلمين (بيوم الهجرة) الذي انطلقت منه دولة الإسلام. وكم كان لهذا التأريخ من معنى لكل مدرك!! والوطن قيادة وشعباً يحتفي (بيوم الوحدة) الذي سطر ملحمته بتوفيق الله مؤسس المملكة العربية السعودية الحديثة الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه ورجالاته الأوفياء من كل منطقة في أرجاء وطننا العزيز.
… وفي تقديري بأن هذا الاحتفاء يجب ألا يتوقف عند فعالية أو مقالة أو مطبوعة أو أهازيج ، وإنما أن يستشعر هذا اليوم بأنه يوم تاريخي عظيم، ومحبوب توحدت فيه البلاد وانعتقت من مشكلات في الفرقة والمعتقد ، ومن هنا نحن نستمد هذا الحب من الاعتزاز بالهوية الإسلامية التي نحملها… وأن أكرمنا الله سبحانه بأن نكون من مواطني مهبط الوحي والرسالة وقبلة المسلمين.
… وعليه أيضاً أن نربّي أبناءنا وطلابنا على عظيم الجهد والجهاد الذي قام به المؤسس- رحمه الله- ورجالات هذه الوحدة المخلصين من الانتصار للمظلوم وبذل كل غال ونفيس من أجل وحدة الدين والوطن.
الرسالة الثانية: وأمام هذا الكيان العظيم وهذا الإرث المشترك الذي يجمعنا ونعتز به، كيف يمكننا أن ننهض بواجبات مواطنتنا تجاه وطننا… بل وكيف نضمن استمرار هذه العملية.
فالاحتفاء باليوم الوطني، أن تؤدي واجباتك تجاهه، وكل من فيه قوة المواطنة أن تظهر حماسك في ظروف الشدة والرخاء سواء، المواطنة لا تقبل المقايضة .
الفرح باليوم الوطني، مطلب لمن يقدر معنى الوطنية، لمهد الرسالة الإسلامية، عبادة ربنا واتباع سنة نبينا، وأمننا ووحدة كلمتنا تشكل كيان دولتنا.
ويمثل اليوم الوطني: ملحمتان: إنجاز وحدة وإعجاز تنمية، محليا وعربيا وإسلاميا وعالميا.
أما المحلي فلأنه وحد البلاد والعباد، والعربي فلأنه أعاد للعرب مكانتهم.
وأما الإسلامي فلأنه نشر العقيدة الصحيحة، وأما العالمي فلأنه جعل السعودية مصدرا لكل خير؛ فاعلة في اقتصاد العالم.
وإن المعنى الجميل للمواطنة أن تكون فاعلا في التنمية، أن تشعر بأن لوطنك عليك حقوقا تؤديها .. مهما دافعنا ودفعنا للوطن يبقى أن لدينا ديونا يستحقها علينا. ويكفي أن الوطن الذي نبذل له الغالي والنفيس هو قبلة المسلمين. هكذا نربي أبناءنا وأجيالنا على ذلك.
فالوطنية معاني، والمواطنة سلوك، الساكنون للوطن منهم من يحسنون إليه ومنهم من يسيؤون إليه.
هناك من يحمل هم الوطن، وهناك من هو هم على الوطن! المواطنة قيمة لا تعني شيئا حينما تكون فقط هوية تحملها .. دون هم للوطن تتحمله! نحتاج إلى مواطنين يسكنهم الوطن لا إلى وطن يسكنه مواطنون.
وأعلى مقامات المواطنة أن تلتزم كل ما يعمق أواصر المحبة والائتلاف الاجتماعي، وأن تحرص في مختلف سلوكياتك العلمية والعملية على تعزيز اللحمة الوطنية.
كل ما يمكن أن يثير بلبلة أو شقاقا أو خصومة، خصوصا في حال عدم استقرار إقليمي وتناحر دولي؛ فإن الحكمة الوطنية تقتضي تركه.
وفي الاحتفاء باليوم الوطني نتذكر نعم الله علينا، وما وصلت إليه المملكة بفضل القيادة الرشيدة من إنجازات ومنجزات، جعلتها في مصاف الدول المتقدمة، فجاذبية المكان في روحانيته.. قوة الموقع في قيادته.. عظمة الشعب في وحدته.. سمو المكانة في تاريخه.. طموح الوطن في رؤيته.. وهذه كلها تجتمع في مملكة الحلول. فكما أن الإيمان يأرز بين حرم مكة والمدينة؛ بمعنى أنه يحوم حولها ويثبت عندها. وهذا يعني أن الفرار عن الفتن يحتاج إلى موطن الإيمان.. ثم الوفادة إلى مأرز الإيمان للتروي بالقيم.
فإن حلول أزمات العالم وأمنه وتنميته، تؤكد أن وجهتها تأرز بين مكة والرياض. مكة إذ تعني القيم والرياض إذ تعني القيمة.
لا يمكن لدولة أو شخص أن تقوم بمهمة إنسانية وبالأخص إصلاحية، إلا لأنها تحمل همّاً تقدر مسؤوليته، وتعلم أبعاده سواءً على الفرقاء المعنيين بذلك، أو على المساحة الواسعة للأمة الإسلامية، ويصعب في تقديري استقصاء الجهود السعودية الداعمة لحفظ حقوق المجتمع المسلم أو لرأب التصدعات التي تنشأ من فترةٍ وأخرى داخل مجتمع الأمة المسلم، أو بينها وبين غيرها من شعوب العالم بأسره. وهذه الجهود تعكس حجم وعظم المسؤولية المحلية والإقليمية والدولية التي تحملها وتتحملها القيادة السعودية تجاه قضايا الأمة والعالم بأسره.
وهذا يوضح عظم دور المملكة العربية السعودية وتأثيرها في أبناء الأمة المسلمة، أنها الحاضنة الحقيقية لآلامهم وآمالهم.
أ.د خالد بن عبدالعزيز الشريدة
جامعة القصيم .. بريدة / 22/ 02/ 1444
ksharida1@
مقالات سابقة للكاتب