✒️ حينما أقلب تلك الصفحات الجميلة من صفحات طفولتي أراها أيامًا جميلة ضاحكة ومشرقة ؛ ممزوجة ببساتين الحب الصادق وبراءة الروح النقية حينها أتذكر أمي الغالية وأبي الحبيب وجدتي رحمها الله تعالى وإخوتي.
كانت أيامًا جميلة ببساطتها وعفويتها.
كنت أتذكر جدتي رحمها الله وهي تقوم بالاهتمام بماشيتها وكنت أحب رفقتها ومساعدتها.
كان وقتي حافلًا منذ الصباح الباكر.
فقد كنت أصحى مبكرًا وأذهب لمساعدة جدتي ثم أعود برفقتها لتناول الإفطار مع والديّ وأخواتي وبعدها أخرج مع إخوتي للعب في مزرعة الوالد حفظه الله .
فعلًا أحن إلى تلك الطفولة الجميلة البريئة
أحن إلى الزمن الجميل وإلى الصفاء والنقاء والبراءة .
للـه ما أحلى الطّفولة إنّها حلم الحيـاة
عهد كمعسـول الرؤى مـا بين أجنحة السّبات
ترنو إلى الدّنيا وما فيها بعين باسمةٍ
وتسير في عدوات واديها بعين حالمة .
كنت في صغري أحسب الأيام والسنين لأصبح كبيرة
وعندما كبرت تمنيت لو أبقى طيلة عمري طفلة صغيرة لأعيش في عالم لا يوجد فيه حقد ولا كره .
ولله در الإمام السيوطي رحمه الله تعالى حين ذكر في كتابه (حسن المحاضرة) ( ١ / ٥٢١ ) مانصه :
”خمس خصال في الأطفال لو كانت في الكبار مع ربهم لكانوا أولياء:
لايهتمون بالرزق ، ولا يشكون من خالقهم إذا مرضوا ،ويأكلون الطعام مجتمعين ، وإذا خافوا جرت عيونهم بالدموع ، وإذا تخاصموا تسارعوا إلى الصلح ” .
أشتاق لتلك الأيام !
نعم أشتاق إليها وإلى تلك الأيام التي كانت مشاكلي تحل بقطعة حلوى.
أشتاق لطفولتي عندما أصحوا اغدوا وضحكات الكون تملأ قلبي .
ليت تلك الأيام تعود ببرائتها وأيامها السعيدة
ليتها تعود بدون قيود ولا هموم .
وصدق الشاعر حينما قال :
وليتنا في سنين اللهو أولها
نحن الصغار ولكن ذاك لم يَدُمِ
عهد الطفولة مرَّ الوقت في عجلٍ
كأنما كان أطياف من الحلمِ
يا رب حُسن حياة في معيشتنا
وحُسن ذكرٍ وأيضًا حُسن مُختتم
كانت فترة الطفولة كقطعة السكاكر الجميلة ذات الطعم المميز الذي لا ينسى لذلك سوف نظل نتذكرها دومًا ، وسوف تبقى في ذاكرتنا نعود إليها من حين إلى آخر ، ومهما مر من العمر سنين وأيام سنبقى نحنُّ لطفولتنا .
الطفولة عبارة عن أيامًا جميلة مضت بلا عودة طوت معها ذكرياتنا وحنينًا لأيام لن تأتي .
وفي ختام هذه المقالة أذكر هذه الأبيات الرائعة والتي تترجم سوانح “ذكريات الطفولة” بكل ماتحمله من معاني جميلة ومواقف طريفة:
أَرْجِعْ زَمَانَ الأَمْسِ مِنْ صَفَحَاتِي
مَا أَجْمَلَ الأَيَّامَ بَعْدَ فَوَاتِ
ذِكْرَى يَعُودُ إِلَى الفُؤَادِ حَنِينُهَا
دَوْمًا إِذَا ذَاقَ الفُؤَادُ أَسَاتِي
دَعْنِي أُمَتِّعُ بِالتَّذَكُّرِ خَطْرَتِي
وَعَلَى الطُّلُولِ أُمَتِّعُ النَّظَرَاتِ
مَا زِلْتُ أَذْكُرُ هَاهُنَا خَطَوَاتُنَا
وَعَلَى الرِّمَالِ وَنَقْذِفُ الحَصَوَاتِ
زَمَنٌ تَوَلَّى مِنْ رَبِيعِ حَيَاتِنَا
فِي ظِلِّهِ مَا أَجْمَلَ الأَوْقَاتِ
لْهُو وَنَمْرَحُ وَالسَّعَادَةُ عِنْدَنَا
مَا أَصْدَقَ البَسَمَاتِ وَالضَّحَكَاتِ
إِنِّي لأَذْكُرُ تِلْكَ أَحلَى لَحْظَةٍ
زَمَنَ الطُّفُولَةِ ذَاكَ زَهْرُ حَيَاتِي
أَتَذَكَّرُ الأَصْحَابَ حِينَ يَضُمُّنَا
لَعِبٌ عَلَى سَاحٍ مِنَ السَّاحَاتِ
نَجْرِي وَنَجْرِي لَيْسَ نَدْرِي أَنَّهَا
تَجْرِي بِنَا الأَعْمَارُ فِي السَّاعَاتِ
وَنُلاَعِبَ المَطَرَ الخَفَيفَ إِذَا أَتَى
وَعَلَى اليَدَينِ تَسَاقُطُ القَطَرَاتِ
وَنُرَدِّدُ الإِنْشَادَ صَوْتًا وَاحِدًا
وَنُسَمِّعُ الصَّيْحَاتِ وَالصَّرْخَاتِ
نَبْكِي وَنَضْحَكُ تِلْكَ حَالُ طُفُولَةٍ
وَنُصَدِّقَ الأَفْعَالَ وَالكَلِمَاتِ
مَامَاوَبَابَا فِي الصَّبَاحِ نَشِيدُنَا
تَتَفَتَّحُ الأَفْوَاهُ كَالْوَرْدَاتِ
أُمِّي الحَبِيبَةُ لَسْتُ أَنْسَى عَطْفَهَا
نَبْعُ الحَنَانِ كَدِجْلَةٍ وَفُرَاتِ
أَسْعَى إِلَيْهَاْ لَهْفَةً فَتَضُمُّنِي
وَبِصَدْرِهَا أَتَلَمَّسُ الخَيْرَاتِ
وَكَذَا أَبِي أَمْضِي إِلَيْهِ إِذَا أَتَى
يُصْغِي إِلَيَّ لِمَطْلَبِي وَشَكَاتِي
إبنتي الحبيبةُأَبِي الحَنُونُ يَقُولُهَا
فَتَرِنُّ فِي أُذْنَيَّ كَالنَّغَمَاتِ
يَارَبِّ فاجْعَلْنِي أَنَالَ رِضَاهُمَا
وَرِضَاكَ فِي الدُّنْيَا وَبَعْدَ مَمَاتِ
تِلْكَ السَّعَادَةُ لَسْتُ أَطْلُبُ غَيْرَهَا
إِلاَّ خُلُوداً فِي رُبَا الجَنَّاتِ
تِلْكَ الطُّفُولَةِ ذَاكَ نَبْعٌ رَائِقٌ
لا َتَعْرِفُ الأَحْزَانَ وَالكَدْرَاتِ
وَسَرَحْتُ فِي حُلْمِ تَبَاعَدَ نَيْلُهُ
حَتَّى كَأَنِّي فِي عَمِيقِ سُبَاتِ
وَمَضَى الزَّمَانُ وَنَحْنُ نَجْهَلُ سَيْرَهُ
حَتَّى قَضَى لِجَمَاعِنَا بِشَتَاتِ
وَأَفَقْتُ يَوْمًا عَنْ رِفَاقِيَ بَاحِثًا
أَيْنَ الذِينَ بِوَجْهِهِمْ بَسَمَاتِي؟
أَيْنَ الصِّحَابُ؟ وَأَيْنَ جَمْعُ أَحِبَّتِي؟
وَمَشَيْتُ فِي تِيهٍ مِنَ الخَطَوَاتِ
وَمشَيْتُ فِي دَرْبِي أُرَدِّدُ قِصَّتِي
وَأُحِسُّ فِي التِّذْكَارِ بِالنَّسَمَاتِ
أَجْمَلَ الأَيَّامَ تَمْضِي غَفْلَةً
زَمَنُ الصَّفَاءِ يَمُرُّ فِي عَجَلاَتِ
وَكَبُرْتُ لَكِنِّي صَغُرْتُ لأَنَّنِي
مَازَالَ قَلْبِي صَادِقَ النَّبَضَاتِ
وَيَدُومُ قَلْبِي لِلْوَفَاءِ وَنَبْضُهُ
وَلَسَوْفَ تَشْهَدُ بِالْوَفَا أَبْيَاتِي
الثلاثاء ١٥ ربيع الأول ١٤٤٤
مقالات سابقة للكاتب