المبالغة

الحاجة ماسة للتوازن وعدم المبالغة

المبالغة في القول هي أخت الكذب الشقيقة.

عندما تزيد مستوى الملح في الطعام فإنك بهذا الفعل تفسده ليصبح غير مستساغ وغير صالح للأكل.

إن ما دفعني لكتابة هذه المقالة عن المبالغة عزيزي القارئ هو تعليق جميل لأحد أصدقاءي والذي كان يسلط الضوء على المبالغة في الأقوال والأفعال وأنها أي المبالغة صفة غير حميدة وتنقص من قيمة وشخصية الإنسان.

سأنقلك عزيزي القارئ إلى حدث مازال عالقاً في ذهني ولن أنساه ماحييت عندما أندفعت بقوة وشراسة إلى الماء رمز الطهارة فغسلت به قلمي الذي لا يفارقني حتى أعاهد نفسي ألا أكتب شيئاً طابعه الكذب والمبالغة والمجاملة، ثم مالبثت أن سكبت الماء من فوق رأسي إلى أخمص قدمي متزامنا مع الدعاء لخالقي حتى يطهر بدني من السوء والمرض ، ثم شربت ماء زمزم ليطهّر تلك المضغة في جسدي (القلب) والتي إن صلحت صلح سائر الجسد وإن فسدت فسد سائر الجسد.

كنت أدعو الكتاب وأصحاب الرأي والفكر إلى كتابة وقول الحقيقة تحت أي ظرف وكنت أدعو الناس جميعاً إلى البحث عن مايزكي النفس ويطهّرها من دنس الذنوب والمعاصي مبتدئاً بنفسي، فكنت ممسكاً بالقرآن بقوة عندما قرأت قول الله تعالى (يا يحى خذ الكتاب بقوة) نداء لأخذ الكتاب بقوة ليكون منهج وأسلوب للحياة فكان مصحفي الصغير لا يفارقني في حلي وترحالي في صحتي ومرضي، وما أروعه وأجمله من أسلوب.

كنت في مرحلة تجلي فريدة من نوعها. نداء الفطرة في روحي كان يتحدث بصوتٍ عالي حتى يسمعه العالم كله.

وكنت عندما أضع شيء من الطيب على يدي أقول ” اللهم طيبٌ من عندك يشمه العالم”.

أعترف بأنني بعد عدة سنوات مضت على تلك التجليات الجميلة أصابني فترة ركود ، فبالغت في بعض المقالات وجانبت الصواب والحقيقة في بعضها وعلى الرغم من قلتها إلا أن هذا ما حدث معي فعلاً.

وهنا أعود بك عزيزي القارئ إلى محور الموضوع ولبه لا تبالغ وتقول الكذب تحت أي ظرف إلا في الظروف الشرعية المسموح بها ، واجعل لسانك طاهر صادقاً لا ينطق ولا يصدح إلا بالحق ، ابتعد عن المبالغات في كل حالاتها مقالة، خاطرة، شعر ،أو غيره.

تبنّ القيم والمبادئ الصحيحة ودافع عنها وكن متزناً في كل حالاتك واكبح جماح تلك النفس المتمردة ، كن مع الله في كل أمورك فهو القادر على تهذيب نفسك وتنقيتها من كل شر ، وهو القادر على قيادة ذاتك المضطربة وطمأنتها وتوجيهها لتصل إلى بر الأمان مهما كنت الظروف والصعاب والتحديات التي تواجهها.

نوار بن دهري
[email protected]

مقالات سابقة للكاتب

6 تعليق على “المبالغة

د ايمن عبد العزيز

في الحقيقة أن هذا المقال أخذني إلى عالم آخر ، لقد شعرت بسعيك الحثيث إلى أن تطهِّر قلمك وقلبك وروحك من آفة الكذب تلك الآفة السيئة التي تفسد كل شيء جميل وتلوثه. قال تعالى ( يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين). ما أجمل الصدق عندما يكون خُلُق المؤمن وديدنه دائماً في أقواله وأفعاله. نحن في بعض الأوقات قد نسعى لكسب قلوب الآخرين حتى لو أن نجاملهم بالكذب أو نتملقهم في الحديث والإطراء عليهم حتى نكسب رضاهم ومع الوقت تصبح هذه الصفة عادة سيئة يتصف بها الشخص. إن هذا المقال في القصص التي مرت على الكاتب واستخدامها للماء كرمز للطهارة لهو مقال عميق المعنى وله دلالات كثيرة قوية تصب في مجملها للحرص على أن يتحلى المؤمن على خلق الصدق وأن يتصف به دائماً. شكراً لك من الأعماق استاذ نوار على هذا الطرح الجميل الرائع.

الغريب

مقال رائع وجميل صادر من شخص اكثر اشراقاً وجمالاً وتناول موضوع مهم في حياتنا فمقال الاستاذ نوار ذكرني بقاعدة قديمه تعرفت عليها من خلال خبرتي في الحياة وهي : أن المبالغة في الإهتمام بمن نٌحبهم يزرع في نفوسهم دلالاً يٌفسد أخلاقهم فإذا نقص اهتمامك تغير تعاملهم ……… فلا تبالغ في الاهتمام ( وجعلناكم امة وسطا ) والمبالغ هي وجه اخر من التشدد والتنطع { هلك المتنطعون }

ام ايناس

يكفيني تعليقاً على هذا المقال قول المصطفى عليه افضل الصلاة والسلام: «إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب»» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ). والمداحين هم المبالغين في المدح مما يثبت لنا ان المبالغة مذمومةً ولابد من تحجيمها للعيش بسلام في مجتمع وسطي يتسم بالمصداقية والاعتدال ..

حسن حمزي

بسم الله الرحمن الرحيم
كلام سعادة الدكتور نوار في غاية الروعة
ولي مداخلة بسيطة اذا اذن لي وهي ان هناك فرق بين المبالغة والكذب والاطراء والمجاملة والمدح
لفرق الجوهري الوحيد بين المجاملة والكذب هو الدافع! فالكذب دافعه الوحيد هو المصلحة الذاتية، وأما المجاملة فدافعها الوحيد هو الخير للآخر
الاطراء: المبالغة في الثناء على الشخص. المدح: الثناء على الشخص بماله من صفات حسنة.

دمت مبدعا اخي الغالي

حسنى عاشور

بسم الله ما شاء الله عليك .

لارا سعيد

المقال هذا اخذني الى عالم اخر من حيث عدم المبالغه من حيث جاء في قول الله تعال بقوله تعالى: (ولا تطع كلّ حلّاف مهين * همّاز مشاء بنميم)
ما أعظم الصديقَ إذا كان غيرَ قَوَّالٍ سوءا وحيث ان هذا المقال صادر من شخص اكثر اشراقا وتطورا واتمنى لك
التوفيق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *