في خبر قرأته في صحيفتنا الموقرة أن 44 % من إجمالي المخالفات التي لم يحتسبها “ساهر” في مكة المكرمة ، المدينة المنورة ، و جدة ، كانت بسبب طمس اللوحات أو عدم وضوحها لسبب أو لآخر ، و ما يهمنا الحديث عنه في البداية هو طمس اللوحات بشريط لاصق أو بأي وسيلة أخرى ، و ماذا نطلق على مثل هذا التصرف ، أهو هروب من دفع المخالفات أو هو من أصله عقد النية و الإصرار على المخالفة و بالتالي الهروب من دفعها ، و ما هو السبب الذي يدعو شخصًا بالغًا عاقلًا أن يقوم بمثل هذا التصرف مع افتراض أن كل شخص يقود سيارة هو حاصل على رخصة قيادة و التي لا تمنح إلا لمن زاد عمره عن 17 عامًا ..
إن مثل هذا التصرف يدل على نقص في الوعي و عدم احترام للأنظمة التي وضعت من قبل أجهزة الدولة ، و هذا يدخل تحت مخالفة ما أمر به ولاة الأمر و بالتالي مخالفة ما أمر به الله ، حيث قال سبحانه وتعالى ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ( 59 ) ) ، إذ أن هذا النوع من المخالفات لا يتوقف ضرره على الشخص و إنما له أثار متلاحقة على الآخرين بما ينتج عنه من أضرارٍ جسدية و مادية ، و كما هو معروف أن معظم الحوادث المرورية السبب الأول و الرئيس فيها هو السرعة الزائدة عن الحد القانوني ، و تخطي الإشارات الحمراء و هذا يعتبر جريمة في حق الآخرين الذين يلتزمون بالسرعة القانونية و يركزون على القيادة.
و في نفس الخبر جاء أنه بنسبة 26 % مخالفات لم يحتسبها “ساهر” بسبب حجب الرؤية عن المركبة بجسم آخر ، و هذا دليل واضح على عدم كفاءة الأجهزة المعدة لرصد كافة المخالفات دون نسبة خطأ بهذا الحجم الكبير ، و عدم الكفاءة تكون لسببين إما عدم كفاءة الأجهزة نفسها أو عدم كفاءة الفنيين الذين قاموا بتركيب أجهزة الرصد ، حيث فقدت 26 مخالفة من كل 100 مخالفة بسبب حجب الرؤية عن المركبة ، و هذا فيه ضرر كبير على السائقين الملتزمين بالنظام ، حيث أفلت ألاف من المخالفين مما سيؤدي إلى تماديهم لارتكاب مخالفات أخرى ، و في نفس الوقت فيه خسارة على الشركة التي تدير هذه الأجهزة “و قد يقول البعض دعها تخسر” .. نعم قد يكون ذلك صحيحًا لمن لا يرى أن هناك فائدة لمثل هذه الأجهزة و في نفس الوقت يرى أنها أرهقت جيوب المخالفين ، و إنما أليس التزام النظام و الحد من الخسائر المادية و البشرية التي تنتج عن الحوادث هو أفضل من مخالفة النظام و في نفس الوقت الإفلات من العقوبة ؟! ..
و هنا نجد أن هناك مسؤولية تقع على عاتق الجهة التي تدير تلك الأجهزة حيث أنها ليست بالكفاءة المطلوبة ، فكما أن هناك من لم تحاسبهم ، فإنه قد يكون هناك من تمت محاسبتهم بالخطأ و هذا يحتاج إلى مراجعة كفاءة تلك الأجهزة و ليس الإكتفاء فقط بنشر الخبر ..
لقد كانت النسبة في الخبر 50 % أفلتوا من العقوبة من إجمالي المخالفين و عددهم 965,000 ، و إنما عندما نجمع 44 % + 26 % نجد الذين أفلتوا من العقوبة بسبب الحالتين أعلاه يكون الناتج 70 % من الـ 50 % ، و الذين قال الخبر عنهم “476 ألف مخالف يفلتون من “ساهر” فبراير الماضي” .. أي بحسبة بسيطة في شهر واحد أفلت من ساهر ( 476,000 × 70% = 333,200 مخالف ) ، و معنى ذلك أنه في سنة واحدة 12 × 333,200 يكون هناك 3,998,400 مخالف أفلت من ساهر بسبب الحالتين المذكورة ، لو أفترضنا أن النسبة ستبقى كما هي في كل شهر ، و مع افتراض أن بعض المخالفين منهم قد تكررت مخالفاتهم .
و عند العودة إلى الرقم الأساسي لعدد المخالفات التي بلغت 965,000 في شهر واحد و جمعناها في سنة كاملة يكون الناتج لدينا 11,580,000 مخالفة ، و التي أعتقد أنها فقط لحالات مثل السرعة الزائدة و تخطي الإشارة الحمراء ، فإن ذلك يعتبر عدد عالي جدًا لمخالفات في ثلاث مدن فقط.
إن الأرقام و الإحصائيات تدعوا إلى العجب و التفكر ، و إلى إبراز أسئلة كبيرة و هامة جدًا ، لماذا كل هذه المخالفات؟ .. و لماذا عدم احترام النظام أصبح شيئًا مألوفًا لدينا ؟ و كأنه صفة خاصة تلازم الكثير منا في داخل بلادنا و تنفصل عنا إذا سافرنا ..
هل هناك خلل في اللوحات الإرشادية و مواقعها ؟ .. أم هل هناك خلل في مدارس تعليم القيادة ؟ أم أن هناك خلل في تطبيق النظام ، و معالجة الأخطاء ؟ .. أم أن الخلل في عقول السائقين أنفسهم ؟ .. أسئلة كثيرة و كبيرة تنتظر الإجابة ، و لا نعلم من يستطيع الإجابة عنها ، إنما الأمل معقود على أن يحاسب كل شخص نفسه قبل أن يُحاسب ، إن مجرد ركوب السائق في السيارة يجعله تحت مسؤولية كبيرة للمحافظة على نفسه و من معه ، و كذلك المحافظة على السائقين الآخرين و من معهم …
إنني أتطلع إلى اليوم الذي أرى فيه الإلتزام بالنظام و احترام القوانين سمة تلازمنا حيث نكون … و نسأل الله التوفيق .
عبدالعزيز بن مبروك الصحفي
مقالات سابقة للكاتب