الازدواجية في إطلاق الأحكام

الإنسان بطبعه محب للعدل كاره للظلم حتى و إن مارس الظلم و القهر و الاعتداء على الآخرين ، فالعدل أساس الحياة و عليه قامت الدنيا و هو أنبل الأخلاق و أسمى الصفات التي تحتاجها البشرية جمعاء …

غير أن الملحوظ و من واقع المجتمع أن نبتة الازدواجية في الأحكام قد طالت و تشعبت في اختلاف النظرة للفعل بحسب من قام به و ليس لجرم الفعل أو خطورته ، و تلك و الله كارثة تهدد بتقسيم المجتمع لفئتين ، فئة معصومة ذات هالة من التقديس و فئة لا تجد من يعذرها أو ينقب لها عن سبب …

فاللاعب المشهور نجم الإعلام إن تبين أنه متعاطٍ للمواد المحظورة و المحرمة شرعاً فهو مظلوم مفترى عليه ينبي له ألف قلم فيدافع عنه و عشرات الكتاب لينافحوا عنه قد ركبوا موجة الجزم ببراءته و عقدوا لطميات التشكيك و ساروا في مواكب المظلومية فداء لهذا النجم !!! … و إما إن قبض على شاب متعاط أو مروج ، فهو ذلك المجرم عامل الهدم و معول الخراب الشرير ، و لن تجد له أذن تسمع أو لسان يدافع !! …

ذلك الذي يسمي نفسه داعية إن أخطأ و تجرأ و جاء بما لايقبله عرف أو ينبذه كل ذي مروءة ، فسوف تشهر عنه سيوف لن تغمد فهو يحق له ما لا يحق لغيره .. و لعله أراد كذا أو قصد كذا أو خانه التعبير أصلحه الله _ و لعمري إن اللسان لينطق بما في القلب _ ، أما إن جاء بمثل ما جاء به رجل من عامة المسلمين ليس بمشهور و لا معرف فالويل له و الثبور و عزائم الأمور ، فقد أتى ببهتان عظيم و إثم تكاد السموات أن يتفطرن منه و حق عليه إقامة الحد نكالاً له و ردعاً لغيره !!! …

قد يختلس ذلك الذي وضع لإقامة العدل و إحقاق الحق بين الأمة ، لكن لا تستعجل في الحكم عليه ، فلعل به مس من الشيطان أو نزغ من عفريت حبب إليه سرقة ملايين الريالات !!! … و إن ارتشى موظف على بند الأجور يعيل أسرة كبيرة بضع آلاف من الريالات فهو سبب عجز الميزانية و هو خائن مرتشٍ و يصاح به : أين نزاهة عنه لتقتص منه ذلك الفاسد ….

هذه بعض النماذج و هي كثيرة و الأمر ليس بهين و أخشى أن ينطبق علينا حديث رسولنا صلى الله عليه وسلم ( إنما أهلك الذين قبلكم ، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد … ) ، إن العدل في النظرة للفعل لا لصاحبه تؤسس عدلاً في الحكم … أصلح الله أحوالنا و أحق الحق و رزقنا اتباعه.

مفلح الصاطي

مقالات سابقة للكاتب

2 تعليق على “الازدواجية في إطلاق الأحكام

ام عبدالرحمن

شكرًا أستاذ مفلح على هذا الموضوع الجميل و الطرح الهادف
لقد وضعت يدك على مشكله يعاني منها مجتمعنا كان ولا يزال
نعم صدقت استاذي الكريم انهم لا يجرمون الفعل نفسه ولكن يجرمون صاحب الفعل
و بقدر مركز صاحب الفعل في المجتمع يتم تبرأته او تجريمه
فاذا كان مشهوراً فسوف تسل الاقلام للدفاع عنه مهما كان جرمه كبيراً
و اذا كان مغموراً و غير معروفاً فنفس تلك الاقلام سوف تسل على هيئة سهام وخناجر لتنال منه
اذا لم يتم تدارك الحال و تتغير تلك الازدواجية المقيته سيصيبنا كما اصاب الذين من قبلنا
و سيهلكنا الذي اهلكهم كما اخبرنا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
الذين اذا سرق فيهم الشريف تركوه و اذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد
على الانسان عندما يريد يحكم على فعل ما ان يكون عادلا
و ان لا يحكم بازدواجية او بمعايير القرب و البعد
او معايير الوجاهه او المعرفة من الشخص صاحب الفعل
بل عليه ان يحكم بمعايير الفعل نفسه لا صاحب الفعل

احترامي وتقديري لك و لرقي قلمك

أم مهند

( أن الملحوظ و من واقع المجتمع أن نبتة الازدواجية في الأحكام قد طالت و تشعبت في اختلاف النظرة للفعل بحسب من قام به و ليس لجرم الفعل أو خطورته ، و تلك و الله كارثة تهدد بتقسيم المجتمع لفئتين ، فئة معصومة ذات هالة من التقديس و فئة لا تجد من يعذرها أو ينقب لها عن سبب )

مقال رائع أستاذ مفلح بالفعل كما تفضّلت هذا الواقع للأسف، وتلك كارثة اجتماعية وسبب لتأخر المجتمعات وعائق للتطور الاجتماعي والفكري..

تحياتنا للكاتب القدير فقد نقل ماكنا نود قوله.

شكرا لكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *