من الطبيعة البشرية ، أن يبحث الإنسان ؛ عن سندٍ يتكئ عليه ، وعضدٍ يشدّ به أزره ؛ويشاركه في أمره .
ترُى من هي تلك الشخصية التي تروي الظمأ ، وتسدّ الحاجة ، أهو الصديق ، أم الزميل ، أم البعيد ، أم القريب ،تختلف مشارب الناس في ذلك ، فالبعض يرى الصديق ، أفضل من أقرب الناس له ، والبعض يرى ذلك في الزميل ، وقد يجد بعضاً مما يتصوره ويعتقده ، وسرعان ما تتلاشى وتذهب تلك الصداقة ، بفراق ، أو انشغال ، أو تعامل دنيوي ، نتج عنه سوء الظن ؛ فحصلت الحالقة ، وتبينت الحقائق الغائبة ، لكن غابت الحقيقة الفطرية ، عن الكثير من الناس بأن تلك الشخصية التي تلازم الشخص في سرّائه وضرّائه ، وذلك السند الشامخ الذي يتحمّل العقبات والكوارث من أجلك ، هو أخوك ، إنه الأخ !
نعم ؛ إن للأخ منزلة كريمة ، ومكانة سامية ، فهو عطية وهبة من الله ، كم من الناس من تمناها ، ولم يجدها ، هذا نبي الله موسى عليه السلام ، أول ما خطر على باله ، تذكّر أخاه ؛ فطلب من الله أن يكون له معيناً وشريكاً ، في مهمته ، ( واجعل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي & هَارُونَ أَخِي & اشدد بِهِ أَزْرِي & وَأَشْرِكْهُ في أَمْرِي ).سورة طه . إنه الأخ !
الأخ : هو الحصن الحصين ، والسد المنيع ؛ لأخيه ، في المعونة ، هو مصدر العون في النوائب ، هو من يقف مع أخيه مؤازراً بكل ما استطاع، كيف ،لا ، وهو يستشعر أن أخاه ، أقرب الناس إليه ، بل هو ركنه الشديد الذي يلجأ إليه في مواجهة الصعوبات ، نعم ، هو عزوته ، إذا حدّت الخصومات ، وتكاثرت المشكلات ، إنه الأخ !
تعالوا معي ؛ ننظر للواقع المؤلم اليوم ، مع انتفاح الدنيا وزهرتها ،والتنافس فيها ، حتى البعض ، ولعله القلة ،باع أخاه بعرض من الدنيا قليل ، والأدهى والأمر ، قد يكون بعض أطراف هذا البيع ، أولاده ، أو زوجته ، فكم نسمع من ابن يقول لوالده ، ماذا نريد من عمّنا وأولاده ؟ ، نحن في غنى عنهم ، نحن أكرم جاهاً ، ومنصباً ، ومالاً منهم ، وربما وصل الحد بهم إلى الخجل والتعَيًُر منهم ، فأثّروا على والدهم ، فقطع أخاه ، وقابله بالخصومة والعداء ، وقد يفارق أحدهم الحياة وفي قلبه شئ على أخيه ، وقد يكون سبب الهجران والقطيعة ، مقابل أرثٍ من الأرض أو الممتلكات ، ينزغ بينهم الشيطان ، ولا يعذر أحدهم الآخر ، ولايرضون بما حكم لهم الشرع بذلك .
رحماك إلهي : أوصل الحد ، بأن تبيع أخاك الذي ، حضنكم بطنٌ واحد ، أو سبب وجودكم صلبٌ واحد ، أو أرتويتم من ثدي واحد ، تبيعه بسبب وشاية كاذبة ، أو دنيا فانية ، أو نفاق محدق ، أي أرثٍ تخلّفه لأولادك ، وأي زرع تزرعه ، وهم يعايشون ويرون فعلك مع أخيك ، وعدم احترامك له ، أو تقديرك لمقامه ، أًو كبر سنه ، سامحني يا أخي ! قصرت في حقك ، ما أجمل الألفة ، والمحبة ، عندما تري الأشقاء رجالاً ونساء ، أو من أخوتهم ، من الأب أو الأم ، أو بسبب رضاعة ، وهم يد واحدة ، يسود بينهم التسامح والاٍخاء ، صغيرهم يحترم كبيرهم ، وكبيرهم يرحم صغيرهم ، يعلوهم التغافل ، ويسمو بينهم الإيثار ، يفشو بينهم النتاصح ، يقف بعضهم مع بعض في المهمات ونوائب الدهر ، وتبحر هذه السفينة الأخوية ،في أمن وأمان ، حتى تصل إلى شاطئ العزة والرفعة والسمو ، فيخنس الشيطان ، ويذل الحاسد ، ويرضى الرحمن.
وتمتد صلة الرحم ، في الأخوة بين البنين والبنات ، أجيالاً عديدة ، وأزمنة مديدة ، ومن كرم الله تعالى أن يجمع أهل التقوى والإيمان ، من النسب ؛ وكل من حافظ على صلة رحمه في منزلة عالية في الجنة ، قال الله تعالى ( وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَٰهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَىْءٍۢ ۚ كُلُّ ٱمْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ) سورة الطور، إنه الأخ !
وعلى سيبل الفرضية ؛ لو أن هدية في يدك ، من تتذكر أولاً وتعطيها ، خارج مقام الأب والأم ، جاء في الأثر ؛ أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -أرسل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثوبا جميلا، فأهداه عمر رضي الله عنه إلى أخ له ) متفق عليه ، فكان الأخ أول من فكر فيه عمر رضي الله عنه؛ ليؤثره بالهدية على نفسه ، إنه الأخ !
عطاء سخي ، تعين أخاك به ، تيسر أموره ، وتفرج همه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« يد المعطي العليا، وابدأ بمن تعول: أمك وأباك، وأختك وأخاك»رواه النسائي وصححه الألباني
دعوة صادقة بظهر الغيب لأخيك المسلم ، ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل؛ كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل»رواه مسلم من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه ، هذا الدعاء عام لأخيك المسلم أي كان ، وأخوك من النسب أولى وأحرى بالدعوة من غيره .
اللهم اجلعنا من الواصلين لذوي رحمنا ،ورزقنا صلة وبر أبنائنا وأحفدنا ، اللهم آمين .
د.صلاح الشيخ
مستشار أسري وتربوي
مقالات سابقة للكاتب