تُحِبك وتَعْتَز بك ، ترفع بك رأسَها ، تقوّي بك رُكْنَها ، تشعر بالأمان لمجرد ذِكرك ، تفرح لفرحك ، وتحرن لحزنك ، وتبكي لفراقك ، إنها الأخت !
أما تتذكر ، حال طفولتك ، وأنت تلعب مع أختك ، أما تقاسمتما اللقمة ، أما أكلتما ، ولعبتما سوياً ، أما أشعرتها برجوتك ، أما وعدتها حال كِبرك ، أن تحقق لها أحلامها وأمنياتها ، ما أجمل تلك الأيام ، التي تعيشها الأسرة في بساطة وقناعة ، إنها الأخت !
كم تبعت في مساعدة أمّها ، في رعاية وتربية إخوانها وأخواتها ، وخاصة إذا كانت هي الكبيرة ، وربما توفيت الأم ، وتحملت تلك الأعباء لوحدها ، إنها الأخت !
حُب الأخت لأخيها ، حب قلبي ، قد لا يشعر به الأخ ، وقد لا يُلقي له بالاً ، لكنه حقيقة ملموسة ، ومشاهدة ، فالمتأمل في معاملة الأخت لإخوانها ؛ يلحظ ذلك جلياً في سلوكها وأخلاقها ، فهذه ؛ أخت موسى – عليه السلام – عرّضت نفسها للخطر في بيت فرعون ، من أجل أخيها ، حيث أمرتها أمّها باستطلاع خبره عندما ألقته في اليمّ بأمر ربها ، وأخذه آل فرعون قال الله تعالى حكاية عنهم ، ﴿ وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَحَرمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ * فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمهِ كَيْ تَقَر عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَن وَعْدَ اللهِ حَق وَلَكِن أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [القصص : 11 – 13].
فما نَعِم موسى – عليه السلام – بحنان أمًه ، وعطفها ، إلا على يد أخته ، بفضل الله ورعايته ، إنها الأخت !
إلهي : ما أعظم حق الأخت علينا ، ونحن غافلون ، فمن حديث أنس رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” مَنْ عَالَ ابْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ بَنَاتٍ، أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ أَخَوَاتٍ حَتَّى يَبِنَّ ، أَوْ يَمُوتَ عَنْهُنَّ، كُنْتُ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ “، وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى.) صححه الألباني ، ياللعجب مرافقة الرسول – صلى الله عليه وسلم – سبب في الاهتمام بأخواتنا ورعايتهنّ ، وصلتهنً ، ما أعظمها من منزلة ، لذا جابر بن عبدالله – رضي الله عنه – ضحى برغبة نفسه وسعادته مع زوجة بكر ، من أجل أخواته : فعندما استُشهِدَ أبوه في “أُحد” خلّف ستّ أخوات، فتزوَّج جابر – رضي الله عنه – امرأة ثيباً ؛ تقوم عليهنَّ، وضحَّى برغبته في الزواج بالبكر لأجلهنَّ، فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (تَزَوَّجْتَ؟)قلتُ: نعم، قال: (بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟)قلتُ: بَلْ ثَيِّبًا، قال: (أفلا جارية تُلاعِبُها وتُلاعِبك)،قلتُ: إن لي أَخَوَاتٍ فأحببْتُ أنْ أتزوَّجَ امْرأة تَجْمَعهنَّ وتمشطهنَّ، وتقومُ عليهنَّ.) رواه الشيخان ، فأقره رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على فعله ، من أجل أخواته ، إنها الأخت!
بل بلغ ببعض الأخوات ؛ من شدة حبّها لأخيها ، أن تضحي بزوجها ، أو ولدها ، من أجل الوفاء لأخيها ، لأنها تعلم أنه ليس للأخ بديل ، ولا مثيل ، ولعل مما يُستأنس به ؛ أنه ، يُحكى ، أن الحجاج ، قبض على زوج امرأة وولدها ، وأخوها ، فقال الحجاج للمرأة : اختاري واحداً منهم ، فقالت المرأة : الزوج موجود ، والولد مولود ، والأخ مفقود ، اختار الأخ ! فقال الحجاج : عفوت عنهم جميعاً لحسن كلامها . إنها الأخت !
وحب الأخت ، لإخوانها وأخواتها ، أمر فطري ،كيف لا ، وهي التي عاشت معهم سنين طويلة ، منذ الطفولة ، وهي تكابد الحياة معهم ، على حلوها ، ومرّها ، لا يمكن أن تنسى تلك الأيام ، حتى بعد فراقها لأخيها ، هذه الخنساء -رحمها الله – ترثي أخاها صخر ، بعد موته، من شدة حبها له
فتقول :
كأنَّ عيني لذكـراهُ إذَا خطرتْ …. فيضٌ يسـيلُ علَى الخدَّينِ مدرارُ
تقول أن عينيها تذرف الدموع بمجرد أن تسمع ذكرى صخر حيث يسيل منهما الدموع وكأنهما فيض يسيل على خديها من كثرة حزنها على وفاة أخيها صخر.
تعالوا بنا ؛ ننقاش واقعنا اليوم ، مع أخواتنا ، ماهي منزلة الأخت في قلوبنا ، وماهو قدرها، والاعتزاز بها كأخت ، هل نتذكر بين الفينة والأخرى الدور الذي قامت به ، في جنبات بيتنا ، مع الأب والأم ، والإخوة ، فيعطينا الحماس ؛ لنرد الجميل ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ).
لكننا ،نسمع ونشاهد واقعاً مؤلماً ، ممن استحمكت عليه الغفلة ، وطغت عليه نَفسُه تكبراً وعلواً ، ولم يحكّم عقله للشرع ، في معاملة أخته ، سمعنا وربما ، شاهدنا ، من قطع الصلة بأخته وأولادها ، من أجل خصومة وزعل مع صهره ( زوجها ) وربما وصل به الحد إلى منع زوجته وأولاده من صلة عمتهم .
رحماك ربي ( استغفر الله ) بل سمعنا وشاهدنا ، من منع أمّه من صلة أختها ( خالته ) من أجل خصومة مع أولادها ، وربما تترجاه في الصلة ، وهو معرض مكابر ، ومثل ذلك ؛ أختٌ تقطع الصلة بأختها ، من أجل ماكتب الله نصيباً ليتزوج ولدها بابنتها ، أو العكس ، ومثل ذلك من هجرت أختها.
من أجل مشاجرة بين الأولاد والبنات
نماذج مخيفة ، ومع هذا تجد البعض يصلي ويصوم ، ويحافظ على العبادات ، ولكن أخلاقه وسيرته مع أخته تخالف شرع الله ،وكأن الدين عبادات فقط ، بعيداً عن الأخلاق والمعاملات ، إنها الأخت !
إلهي : ما أعظم تقصيرنا ، وأشدّ غفلتنا عن الحقوق الواجبة لأخواتنا ، ولعل من أبرز ما يوصى في هذه العجالة :
١- تعاهد أختك بالتواصل والزيارة ، والهدية ، وإدخال السرور عليها ، وعلى زوجها وأولادها ، فأنت خال لهم ، يعتزون بك ، ولك في قلوبهم احتراماً وتقديراً .
٢- قد تحصل غيرة من زوجتك ، تجاه أختك ، فكن عاقلاً حكيماً عادلاً ، لا تظلم زوجتك من أجل أختك ، ولا تبخس حق أختك إرضاء لزوجتك ، اعط كل ذي حق حقه .
٣- احذر أن تبخس أختك ميراثها من أبيها ، فمنعها من الميراث ، من أفحش الظلم ، وأعظم الجرم ، أمِنْ أجل عادات الجاهلة ، أم لأنها مكسورة الجناح ، وغالبٌ عليها الحياء والتقدير لك كأخ ، أن تطلب حقها ، أعطها حقها ،ولا تشاورها في التنازل ، لأن حياءها ، يتغلب على مواجهتك بالحقيقة ، إبرء ذمتك من حقوق العباد ، والأقربون أولى ،لأنك مسؤول عن ذلك يوم القيامة .
٤- إذا مرت عليك حقبة من الزمن ، وأنت واقع في هجر أختك ، أو ظلمها ، فبادر بالتوبة إلى الله ، وتسامح مع أختك ، واطلب الصفح والعفو ، قبل أن تندم ، ولا ينفع الندم ..
ومن البشائر في إكرام الأخت ،وتقديرها
كم من أخٍ أكرم وأحسن إلى أخته ،فرفَعَ الله – تعالى – ذِكْرَه، وأعلى شأنَه، وكم من فقيرٍ أغناه الله – تعالى – بسبب قيامه على رعاية أخَوَاته بعد موت أبيهنَّ، وإعالته لهنَّ، وإحسانه إليهنَّ .
أسأل الله تعالى أن يوفقنا لإكرام أخواتنا ، ويجلعنا من المحسين الواصلين بهنّ ، ويكتب لنا ولهنّ الأجر والمثوبة .
د.صلاح الشيخ
مستشار أسري وتربوي
مقالات سابقة للكاتب