ضيفة شرف

فايز البشري

مقدمة :

أحرص مثل غيري على متابعة ماتنشره صحفنا المحلية ..وأثناء ذلك .. أستوقفني خبر تكرر مرات ومرات مع إختلاف المكان والوجوه ..

خبر العثور على (لقيط) ملقى به بجانب أحد الأرصفة أو أحد المساجد او داخل أحد صناديق الزبالة ..

الحقيقة أن هذه الأخبار هي من شحذ مخيلتي بالعديد من الصور لهذه المأساة .. أو هذه الجريمة ..فجاءت هذه الكلمات بمثابة محاوله متواضعة لرصد الموقع والجريمة والضحية والقاتل من خلال هذا (اللقيط) الذي أنطقه الله حين هم المجرم أو المجرمة بإلقائه على أحد الأرصفة وتركه للمجهول فجاءت على لسانه هذه الكلمات ..

أنت ..
أنت ..
هيه .. نعم أنت ..
يامن تضعني هنا وتمضي .. أنتظر .!
سأقول لك كلاماً لن تسمعه في حياتك سوى مرة واحدة .!
توقف لحظة . كلمة غريبه عنك .. أليس كذلك؟
لم يتجرأ أحد من قبل على أن يصرع في وجهك ويأمرك ..
لم تتعود من أحد أن ينهرك أو يوبخك .. أليس كذلك ؟
صدقني .. لم تفاجئني عندما تضعني الآن على الرصيف ثم تمضي ..
لم اتفاجأ أبداً !
لأنني عرفت مصيري !!
قرأت موتي في عينيك .. قبل أن تحملني يديك ..
لن أرجوك .. لن أطلب شفاعة أو رحمة منك .. فطالما لم يشفع لي دمي عندك فلن يشفع دمعي أيضا ..

أنا أريد منك فقط .. أن تسمعني ..
أعرف أنه ربما يأتي بعد رحيلك عني كلب لكي ينهشني ، أو قط يتمادى عندما يجدني عاجزة حتى عن ذب الذباب عن وجهي ..

اسمع ..
لن ألومك .. لن أفعل بك شيئا .. وهل مثلي من يجرؤ ؟

سأمنحك فرصة أن تسمع قصة حياتك القادمة ولا أظن أن مثلك من يترك فرصة كهذه !
فأنت من تعود أن يقتنص أتفه الفرص .
آلا يسرك أن تعود وبيدك شريط حياتك وبالألوان ..
إذاً .. أسمع قصتك
سأقول لك ماذا سيجري لك بعد رحيلك عني ، وفي كل حياتك القادمة..
أنا من يستطيع ذلك .. فأنا الآن أشهدها بكل تفاصيلها ..
هي قصة .. لم تكتفي بحفظ حقوقك الفكرية فيها فقط بل تجاوزت .. أردتها أن تؤدى على المسرح ..

ولن يرضيك أن يقوم أحداً بدور البطولة فيها سواك وأنت من يختار .. وأنت من يسند الأدوار ..
وشاءت إرادة الله أن أكون أحد أولئك الذين يتم إختيارهم لأداء أحد الأدوار ..
دور قصير ..
مشهد وحيد ..
أظهر فيه ثم أختفي تحت مسمى (ضيفة شرف)
ترى أي شرف هو ؟؟
شرفك أم شرفها ؟

وها أنا أؤدي اللحظات الأخيرة منه على هذا الرصيف..

ولكن إن شاهدت كلبا يحمل قطعة من اللحم في يوم من الأيام وهذه القطعة من اللحم قد أكون أنا فأعلم أنك تشبهه كثيراَ مع الإعتذار الشديد لذلك الحيوان ..

ستعيش في هذه الحياة على الرصيف .. مثلي تماما ..
أتدري لماذا ؟

لأنني بعضك .. وكيف للبعض القدرة على أن يترك الكل ..
لن تعيش الحقيقة ..
لأن من يترك الحقيقة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يعيشها ..
لن تعيش .. ولكنك ستتبع وهماً..
أنت وكذلك .. أنتِ ..
كلاكما سيتبع وهماً .. سراباً ..
لن تنعم بالأبوة .. لن تنال هذا الشرف حتى وإن تداعيت .. حتى وأن دعوك بها !!
هي حرام عليك .. كل حرف في معناها ينسلخ منك .. يتبرأ منك ..
أتعلم لماذا ؟

لأنك قدمتها طبقاَ شهياَ لقط جائع !!
ستعيش دون أن تعرف أدنى مسئولياتك في هذه الحياة .. مادمت الآن تلقي بأعظمها على الرصيف ..

ستعيش عالة . ولن تفكر حتى مجرد تفكير على مَن؟
لأنه لايهمك ..

حتى أخطآؤك .. ذنوبك .. تقوم بتجييرها إلى أُناس تعرف كيف تسكتهم إلى الأبد .. بمجرد أن يلوح لك في الأفق أنهم يملكون عليك دليلا ..

ستعيش رعباَ .. وستموت هلعاً ..
لن تعرف لذة النوم .. ستُحرم منه ..
ستصحو فزعا كلما ترآى لك ذلك الرصيف ..
لن تقوى على مواجهته ..
سيهز سياج صدرك ليخرج .. سيقتلك في اليوم ألف مرة ..

هذه قصة حياتك .. أيها الـــ أ ن س ا ن الظالم .. القاتل
إني أُطالب بأقصى العقوبة .. وأصرخ بأعلى صوتي ..فهل هناك من يسمعني ؟

نُفيت ..
أُهدر دمي ..
حوكمت..
نُفذ الحكم ..
رُفض فيه الاستئناف .. دون ذنب إقترفته .. فمن المسؤول؟

وهناك من يقف متفرجاً .. ينظر
إلى ساعته ينتظر مقولة (رفعت الجلسة)
لينفض ذلك التجمهر .. ويذهب كل إلى حاله ..

وتناسينا أن القاتل مازال يعيش بيننا .. ولا نتذكر ذلك القاتل إلا عندما نتجمهر حول ذلك الرصيف بدعوة منه ملفوفة بلقيط آخر ..
لنسمع حكاية أخرى .. لنسمع فقط ..

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *