في لحظة غير مخطط لها أجد نفسي أنا وأخي خلف عدد كبير من الجنائز في الحرم المكي هذا المساء، حيث ينتظر ذوي الموتى وقت الصلاة عليهم ليواروا جثمانهم تحت التراب ويودعونهم في مشهد حزين وأليم تنفطر منه القلوب.
صلينا عليهم ودعونا لهم ولا نعرف منهم أي أحد.
ولكني أنظر إليهم بتأمل كبير وأجسادهم مسجاة على الأرض بلا حراك ، وأجد هيبة الموت والمكان تطوف بروحي وفكري من كل جانب.
وهنا في الطائف في مستشفى الهدا يرقد جارنا العزيز أبا ظافر في العناية المركزة حيث وبدون مقدمات وبينما كان يصلي في المسجد القريب من بيته سقط مغشياً عليه إثر نزيف دموي في الدماغ وها هو الآن يعيش حالة من الغيبوبة ولا يحيط بأي شيء من حوله معرفة وإدراكاً ، شعور مؤثر وحزين يختلج قلوبنا لذلك الرجل الطيب الخلوق الذي نشهد له بأنه من الذين قلوبهم معلقة في المساجد وربما الآن ينتظر دوره ليودع أخيراً مسرح هذه الحياة بكل صمت وهدوء.
ثم دعني انتقل بك عزيزي القارئ إلى المدينة المنورة حيث أنتقل إبن أخت صديق عزيز على قلبي جداً إلى رحمة الله إثر حادث مروري في عمر مبكر جداً حيث لم يكمل السبعة عشر عاماً هذا الشاب كان حافظاً للقرآن ويشهد له معارفه من معلمون وطلبة بالصلاح والإستقامة وحسن الخُلق رحماك ياربي بعبادك الذين وفدوا إليك.
هذه محطات متقاربة الزمن صادقة حقيقية متفرقة عزيزي القارئ للناس والموت فرضت نفسها علي وسقتها إليك على عجلة حتى تتأملها بقلب واعي فطن ، وحتى نفكر أنا وأنت في موعدنا القادم لا محالة مع الموت والذي ينتظر الجميع بلا ريب وكل مافي الأمر هو مسألة وقت لا أكثر.
الموت تلك الحقيقة الثابتة والتي الكل يقر بها ولكن لسان حال أغلب الناس لاينُم عن الإستعداد والتأهب لملاقاته بنفس مطمئنة راضية مرضية.
الموت يتطلب منا مراجعة دائمة ومحاسبة مستمرة للنفس حيث أنه من الأهمية بمكان أن نتسائل وبشكل ملح ومستمر ماذا قدمنا للآخرة من أعمال صالحة وقربات وطاعات وكيف هي طبيعة علاقتنا مع الخالق والخلق.
وهل نركض خلف الدنيا ونعيش في سباق محموم مع اللذات والشهوات ونتبع خطوات الشيطان وننساق لدعواه وكيده ومكره أم نحن على حذرٍ منه وعلى تقوى من الله ونتزود من الأعمال الصالحة ونعمر آخرتنا حتى لو كان ذلك على حساب خراب دنيانا.
إن دموع الندم والتفريط والحسرات لا تنفع يوم الحساب قال تعالى (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ ، إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) ، لذا فلنتدارك عزيزي القارئ فرصة أننا مازلنا أحياء على هذه البسيطة ولنجدد التوبة والإستغفار ولنقبل على الله بكل جوارحنا ولنتحلل من حقوق العباد ولنسعى دوماً في مرضاة الخالق ولنتزود من التقوى حتى نصافح الموت في سلام وراحة ضمير ، ونصافح الموت أخيراً وقد رضي الله عنا.
نوار بن دهري
[email protected]
مقالات سابقة للكاتب