رحل عنا اليوم رجل ممن قضى عمره في طلب العلم، إنه الأخ الفاضل الصديق صديق بن عبد الله المكي.
عرفته ملازماً لطلب العلم في معهد الحرم المكي الشريف وحلق العلم في المسجد الحرام وما يستطيع الوصول إليه بقدميه أو وجد ما يوصله إليه من وسائل النقل من مجالس العلم في مكة المكرمة.
ثم التحق طالباً منتظماً بمعهد الحرم المكي الشريف بعد أن طلب العلم فيه سنين عدداً كمستمع للدروس العلمية مع جِدٍّ وانتظام.
ثم عرفته ملازماً للاعتكاف في جوامع الحي في العشر الأواخر من رمضان المبارك، لم يتخلف عن ذلك قبل البلاء الذي أدى إلى إغلاق المساجد في أزمة ما يسمى وباء كورونا، وما أن عادت المساجد إلى وضعها حتى عاد هو إليها بما كان قد اعتاده.
شكوت إليه ما أجد من صعوبة في مادة الحساب خاصة عمليات القسمة أثناء حضوري لدروس معهد الحرم المكي الشريف فخصص لي وقتاً أدرس فيه الحساب عنده في مسجد شيخنا الشيخ سيد محمد صادق رحمه الله تعالى حتى أتقنت على يديه عمليات القسمة، وأهداني في تلك الفترة كتاب الفوائد للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى، وهو من أقدم الإهداءات العلمية التي كانت نواة لمكتبتي، ولا زالت لدي رغم صدور طبعات محققة من الكتاب أميز وأكثر جودة.
ثم شكا إلى بعد ذلك بأكثر من عقد من الزمن ما يجده من صعوبة في حفظ القرآن الكريم ومراجعته فبشرته بسهولة الأمر إن شاء الله تعالى فانتظم في الحضور عندي سنوات في الحلقة في جامع هاجر السلمي حتى أتقن حفظ عدد من أجزاء القرآن الكريم عن ظهر قلب.
عرفته كثير التنفل بالصلاة والطواف أثناء دراستنا في المسجد الحرم؛ فلا أحصي ما أراه يتوضأ ثم يشرع في الصلاة كلما وجد فراغاً، وينطلق إلى الكعبة للطواف كلما اتسع الوقت، ناهيك عن حسن السمت، وسلامة الصدر، وصفاء القلب، وإجلال العلماء وطلبة العلم، وتوليهم، وإنزالهم منازلهم.
لا أعلم أحداً تأذى منه في قول ولا فعل.
منذ عرفته لم يزل مقبلاً على شأنه، معرضاً عما لا يعنيه، والمسلمون سالمون من لسانه ويده وقلمه.
وكان في لقاء من آخر لقاءاتي به يقول لأحد مخاطبيه عن ما يراه من تردي الصحة وظهور بعض الضعف: “نحن الآن من أبناء الستين” إشارة إلى أن زمن الصحة والقوة قد مضى وعليهم الرضى بما يناسب مراحلهم العمرية والاستعداد لما بعد ذلك.
تعرض قبل ثلاثة أسابيع لجلطة نقل على إثرها إلى المستشفى مرتين حتى جاءنا هذا اليوم الثلاثاء ٩ رجب ١٤٤٤هـ خبر وفاته رحمه الله وغفر له وعظم الله أجرنا وأحسن عزاءنا فيه. فإنا لله وإنا إليه راجعون .
وعزاؤنا فيه أنه لقي ربه سالكاً الطريق الذي من سلكه سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، – وهو فيما أحسب إن شاء الله تعالى – ممن يتقرب إلى الله بحبهم، وذكر فضلهم، وحفظ العهد لهم.
نسأل الله أن يجمعنا به في جنة الخلد في مقعد صدق عند مليك مقتدر بفضله ورحمته.
والأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
✍🏻 محمد بن أحمد الأنصاري
٩ / ٧ / ١٤٤٤هـ
مقالات سابقة للكاتب