إن السعادة هي جنة الأحلام ومنتهى الآمال، كل البشر ينشدها، وقليل من يدركها، ومع اختلاف العباد ومعايشهم إلا أنهم متفقون على طلب السعادة، لتوجعهم من مكابدة الحياة وآلامها، ولطمعهم في حياة سعيدة هنيئة لا أحزان فيها ولا هموم، ونوال السعادة منحة من الرحمن يهبها لمن يشاء من عباده، فمنهم من ينعم في جناها، ومنهم من يحرمها ويعيش في أمانيها، والموفق من هدي إليها فسلكها وخطى إليها وعمل لها .
والسعادة لن تُنال إلا بتقوى الله عز وجل بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وبالبعد عن المعاصي والسيئات، قال سبحانه : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا “
فالسعادة الحقيقية والرضا هي نتاج عدد من العوامل ولا يمكن تحقيقها إلا من خلال الموازنة بين الجوانب المادية والروحية للحياة ، فإذا أغفلنا الجانب الروحي للحياة ، فسيؤدي ذلك إلى مرض الروح والعلاج هو الإيمان بالله تعالى وقبول الإيمان الذي رضاه للبشرية.
قال النبي ﷺ: “ مَا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ إِنْسَانٍ أَوْ عَبْدٍ يَقُولُ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا – إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُرْضِيَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ” .
وإنّ السعادةَ الحقيقيةَ قرارٌ يتّخذهُ الإنسان برغبته، فإذا عزمَ على أن يكونَ سعيداً سيفرحُ بأبسط الأشياء وأصغرها ويحفلُ بها، وينظرُ لها بعين الرِّضا والحب .
ولا قيمة أعظم ولا أسعد ولا أدوم من أن تكون مع الله في كل أحوالك وهو يهديك ويرضيك .
فالسعادة هي الرضا والقناعة والتوكل على الله تعالى ، فإذا رضيتَ فأنت سعيد، وكلَّما زادَت طلباتك نقصَت سعادتُك وظللت تبحث عنها وهي حقيقة لاتوجد إلا في مكانين قلب قانع بالعطاء ونفس مطمئنة بالقضاء فالقناعة كنز لا يفنى .
وتتمثل السعادة حولنا بأشياء كثيرة منها أحاطتنا بمن نحب وراحة البال وغيرها .
ومن أسباب السعادة :
مجالسة السعداء كما جاء في المثل : “جاور السعيد تسعد”.
وفي السنة النبوية تظهر لنا بعض معالم السعادة فقد قال النبي ﷺ :”أربع من السعادة المرأة الصالحة والمسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء”.
وذكر الإمام الغزاليّ : (إنّ اللذة والسعادة عند بني آدم هي معرفة الله عز وجل)، ويُتبع ذلك بقوله: (اعلم أنّ سعادة كل شيء ولذته وراحته تكون بمقتضى طبعه، كل شيء خلق له، فلذة العين الصور الحسنة، ولذة الأذن في الأصوات الطيبة، وكذلك سائر الجوارح بهذه الصفة، ولذة القلب خاصة بمعرفة الله سبحانه وتعالى؛ لأنّ القلب مخلوق لها).
وللوصول إلى السعادة الحقيقية ، نحتاج إلى معرفة الهدف الحقيقي من حياتنا وهو طاعة الله عزوجل، وكيفية الوصول إلى النجاح في الآخرة ، والوصول الى الحالة من الرضا من خلال اتباع أوامر الله وديننا الحنيف وجعل القران الكريم منهجا لحياتنا لكي نفوز بوعد الله وجنته قال الله تعالى(وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۖ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ).
والسعادة تقاس بأشياء كثيرة أهمها رضا الله والوالدين وكذلك إذا كنت راض عن نفسك وما تعمل تشعر براحة بال لا حدود لها، وينال الإنسان حظًا منها بقدر ما يقدمها لغيره، بكلمة طيبة أو ابتسامة أو مواساة أو تقديم أي مساعدة.
قال الشيخ علي الطنطاوي: “إنكم أغنياء، ولكنكم لا تعرفون مقدار الثروة التي تملكونها، فترمونها؛ زهداً فيها، واحتقاراً لها.
يصاب أحدكم بصداع أو مغص، أو بوجع ضرس، فيرى الدنيا سوداء مظلمة؛ فلماذا لم يرها لما كان صحيحاً بيضاء مشرقة؟
ويُحْمَى عن الطعام ويمنع منه، فيشتهي لقمة الخبز ومضغة اللحم، ويحسد من يأكلها؛ فلماذا لم يعرف لها لذتها قبل المرض؟
لماذا لا تعرفون النعم إلا عند فقدها؟
لماذا يبكي الشيخ على شبابه، ولا يضحك الشاب لصباه؟
لماذا لا نرى السعادة إلا إذا ابتعدت عنَّا، ولا نُبْصِرها إلا غارقة في ظلام الماضي، أو مُتَّشحةً بضباب المستقبل؟
كل يبكي ماضيه، ويحن إليه؛ فلماذا لا نفكر في الحاضر قبل أن يصير ماضياً ؟”.
وعليه فإن القرب من الله هو سر السعادة، وأقصر طريق للوصول إليها على عكس البعد عنه والإعراض عن أوامره وشريعته:
قال تعالى: “وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى”. فالقرب من الله راحة وسكينة، ومحصلةُ البعد عنه ضنك وأرواحٌ سقيمة.
فتذكر دائمًا أنك تستحق السعادة، وأن الله ما خلقك ليعذبك في الحياة، وأن الصعب الذي يعترض طريقك يكون كبوصلة نجاح تهتدي بها للوصول إلى ما تنشد. فابحث عن السعادة في كل دروب الحياة فبذورها مفرَّقة، وبعض أبوابها مغلقة تحتاج منك لطرقها بشغف وحب. فكن سعيدًا وابتسم، واترك الرضى على محيّاكَ يرتسم.
فلا سبيل إلى السعادة إلا بطاعة الله، ومن أكثر من الأعمال الصالحة واجتنب الذنوب والخطايا عاش سعيداً وكان من ربه قريباً، قال سبحانه : ” مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً “
قال ابن كثير : ” الحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت” ، ويصور هذا المعنى الجميل وهو ارتباط الحياة السعيدة بالتقوى وليس بالمال وغيره من حطام الدنيا الشاعر الحطيئة بقوله:
وَلَستُ أَرى السَعادَةَ جَمعَ مالٍ
وَلَكِنَّ التَقيَّ هُوَ السَعيدُ
وَتَقوى اللَهِ خَيرُ الزادِ ذُخراً
وَعِندَ اللَهِ لِلأَتقى مَزيدُ
وَما لا بُدَّ أَن يَأَتي قَريبٌ
وَلَكِنَّ الَّذي يَمضي بَعيد
منى الشعلان
مقالات سابقة للكاتب