يغفل الكثير من الناس عن الصّيام في شهر شعبان ؛ في حين كان النّبي ﷺ يكثر من الصّيام فيه تطوعًا أكثر من صيامه في ما سواه من الأشهر ، وإنّ من المقرر عند أهل العلم أنه في الأوقات والأزمان التي يغفل الناس فيها عن العبادة ويتناسونها ، تزداد مكانتها ، ويعلو شأنها ويكثر أجرها ، ومن هذه العبادات التي قد تناساها الناس وغفلوا عنها، عبادة الصّيام في هذا الشهر ، حيث كان عليه الصّلاة والسّلام يخص هذا الشهر (شعبان) بهذه العبادة لما ثبت من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله : لم أراك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ فقال عليه الصّلاة والسّلام : «ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى ربّ العالمين ، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم».
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتابه «لطائف المعارف» : ((إن صيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحرم ، وأن في الحديث دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة ؛ وأنه في إحياء الوقت الـمغفول عنه بالطاعة فوائد عدة منها:
١- أن يكون أخفى: وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل لاسيما الصّيام فإنه سر بين العبد وربه.
٢- أنه أشق على النفوس: وسبب ذلك أنّ النفوس تتأسى بما تشاهده من أحوال أبناء الجنس فإذا كثرت يقظة الناس وطاعاتهم كثر أهل الطاعة لكثرة المقتدين بهم فسهلت الطاعات ، فإذا كثرت الغفلات وأهلها تأسى بهم عموم الناس ، فيشق على نفوس المستيقظين طاعاتهم لقلة من يقتدون بهم فيها ؛ ولهذا المعنى قال النّبي ﷺ : «للعامل منهم أجر خمسين منكم، إنكم تجدون على الخير أعوانًا ولا يجدون»)).
وقد أحب النّبي ﷺ الصّيام في شهر شعبان لكون أعمال العباد ترفع فيه من كل عام ، فأحب أن ترفع أعماله إلى الله تعالى وهو صائم ولذلك كان يكثر الصّيام فيه ؛ لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت : (كان رسول الله ﷺ يصوم حتى نقول لا يفطر ، ويفطر حتى نقول لا يصوم ، وما رأيت رسول الله ﷺ استكمل صيام شهر إلّا رمضان ، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان).
وفي الحديث الآخر عن عائشة رضي الله عنها قالت: (لم يكن النّبي ﷺ يصوم شهرًا أكثر من شعبان ، وكان يصوم شعبان كله).
فتبين لنا في هذين الحديثين حرصه ﷺ على الصّيام في هذا الشهر (شعبان) وهو مقدمه لشهر رمضان ، ولذلك شرع فيه الصّيام ؛ ليحصل التأهب والاستعداد لاستقبال شهر رمضان ، وتتروَّض النفس على طاعة الله تعالى ، فعلى المسلم أن يحرص على صيام هذا الشهر وإن كان النهار فيه طويلًا والحر شاقًا ؛ فهو يرجو الراحة الأبدية، ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية حين قال: (من أراد الراحة الأبدية فليلزم عتبة العبودية)
مَــضَى رَجَبٌ وَمَا أَحْسَــنْتَ فِيهِ
وَهَــذَا شَــهْرُ شَعْبَانَ الْمُبَــارَكْ
فَــيَا مَنْ ضَيَّعَ الْأَوْقَاتَ جَهْــلًا
بِحُرْمَتِهَا أَفِــقْ وَاحْــذَرْ بَــوَارَكْ
فَسَوْفَ تُفَارِقُ اللَّذَّاتِ قَهْرًا
وَيُخْلِي الْمَوْتُ كُرْهًا مِنْكَ دَارَكْ
تَدَارَكْ مَا اسْتَطَعْتَ مِنَ الْخَطَايَا
بِتَوْبَةِ مُخْلِصٍ وَاجْعــلْ مَــدَارَكْ
عَلَى طَلَبِ السَّلاَمَةِ مِنْ جَحِيمٍ
فَخَيْرُ ذَوِي الْمَعَاصِي مَنْ تَدَارَكْ
▪️تسمية شعبان:
سمي شعبان بهذا الاسم لتشعب الناس في طلب المياه أو في الغارات بعد أن يخرج شهر رجب الحرام ، وقيل إنما سمي بذلك لأنه شعب أي ظهر بين شهري رمضان ورجب ، وقيل إنه شهر تتفرق فيه القبائل لقصد الملوك والتماس العطايا.
▪️ليلة النصف من شعبان:
إن من البدع المنكرة التي تحدث في هذا الشهر الاحتفال بإحياء ليلة النصف من شعبان وتخصيصها بأنواع من العبادة والاجتماع والذكر والدعاء فمن ذلك:
أولًا: اعتقاد قيامها وصيام يومها: استدلالًا بما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنّ النّبي ﷺ قال : «إذا كان ليلة نصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها ، فإنّ الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا فيقول: ألا مستغفر فأغفر له ، ألا مسترزق فأرزقه ، ألا مبتلى فأعافيه حتى تطلع الشمس». وهذا حديث ضعيف رواه ابن ماجه والبيهقي وفي سنده ابن أبي سبرة وهو متروك الحديث ورماه بعضهم بالوضع.
ثانيًا: اعتقاد بأنها الليلة التي أنزل فيها القرآن: متأولين في ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ}.
[الدخان: [٣].
على أنها ليلة النصف من شعبان وهذا مخالف لما دل عليه القرآن الكريم من كونها ليلة القدر من شهر رمضان المبارك ، قال الإمام ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» (٤/٢١٠) : (ومن قال إنّها ليلة النصف من شعبان ؛ كما روي عن عكرمة ؛ فقد أبعد النُجعة ؛ فإنّ نص القرآن أنها في رمضان).
وجملة القول أن أغلب الأحاديث الواردة في فضل ليلة النصف من شعبان دائر أمرها بين الوضع والضعف وعدم الصحة.
قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في «المنار المنيف» (ص ٩٩): (لا يصح منها شيء).
▪️قضاء صوم رمضان في شعبان:
أجاز أهل العلم تأخير القضاء لمن أفطر في رمضان لعذر شرعي إلى شهر شعبان واستدلوا على ذلك لما ثبت في «الصحيحين» من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : (كان يكون عليَّ الصَّوم من رمضان ، فما أستطيع أن أقضيه إلّا في شعبان).
وعليه أذكر كل من عليه قضاء صوم من رمضان ولم يتسنَ له ذلك بسبب مرض أو نسيان أن يبادر إلى صيامه في هذا الشهر.
▪️إعانة الفقراء والمساكين في شعبان:
إن مما يغفل عنه الناس في شعبان إعانة الفقراء والتصدق عليهم ؛ ليتقووا بذلك على صيام رمضان ، وقد روي عن بعض السّلف أنَّهم كانوا إذا دخل شعبان أخرجوا زكاة أموالهم تقوية للضعيف والمسكين على صيام رمضان.
ومن أعظم ما يمكن أن يختم به شهر شعبان ويستقبل به رمضان تجديد التوبة إلى الله عزَّ وجل ، وتصفية القلوب من الحقد والضغائن ؛ والإقبال عليه سبحانه وتعالى بنفس منكسرة وخاشعة ، ترجو ثوابه وتخشى عقابه ؛ وتنشد ما عنده من فضل في الدارين.
خالد بن محمد الأنصاري
مقالات سابقة للكاتب