اقترب شهر ليس كسائر الشهور ، اقتربت نفحات الله ونسمات الإيمان ، فما هي إلا أيام قلائل ونستظل ظلال هذا الشهر الكريم الذي يشتاق له قلب كل مؤمن .
قرُبت شعائرهُ وزادت بهجتي
رمضانُ بي شوقٌ إليكَ كبيرُ
وهذه فرصة سانحة لكل من أدرك شهر رمضان ويريد أن يغير في حياته أو من سلوكياته الخاطئة كالغيبة والنميمة والتدخين وغيرها ، ونذكره بقانون التغير المتجذر في كتاب الله تعالى :( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) .
ومن توفيق الله للعبد قبل قدوم رمضان أن يُلهمه معاهدة سيره إلى الله بتجديد التوبة والاعتياد على نوافل الطاعة من صيامٍ وتلاوة وقيام ،لتسهل عليه وتنشط لها نفسه برفق التدرج زمن السبق إلى الله في شهر رمضان ! وكان عمرو بن قيس – رحمه الله – يقول : ” طوبى لمن أصلح نفسه قبل رمضان “.
وشهر رمضان شهر المغفرة والرحمة شهر يحرص الإنسان لعمل الخيرات والطاعات فجعل الله صيامه فريضة وقيامه فضيلة وهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن لقوله جل في علاه : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ) .
ففضائل هذا الشهر العظيم كثيرة ويجب اغتنام الفرص فيه والاجتهاد لنيل الطاعة والثواب والتقرب للواحد الوهاب وتطهير النفس من الخطايا والآثام ولفتح صفحة بيضاء مع الله جل جلاله بالتوبة الصادقة قال تعالى : { وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } .
ويحرص المسلم في هذا الشهر أن يضع له برنامجًا لاغتنام هذه الأيام المباركة في طاعة الله تعالى كقراءة القرآن والمواظبة على الصلوات الخمس في المسجد وقيام الليل والصدقة وزيارة الأهل والاقارب واداء العمرة لقوله ﷺ :( عُمرَةٌ في رمَضَانَ تَعدِلُ حجة أَوْ حَجَّةً مَعِي ) .
فإن من نعم الله علينا أن يبلغنا هذا الشهر الفضيل وأن المحروم من حُرم من صيامه وقيامة لقوله ﷺ : ( رَغِمَ أنفُ عبدٍ دخَلَ عليه رمضانُ لـم يُغفَرْ له”).
والصيام فرصة للدعاء وسبب لإجابته لقوله ﷺ : ( ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الصائم، ودعوة المظلوم ودعوة المسافر ).
ويجب على المسلم أن يفرح ويهفو بشوق لقدوم هذا الشهر الكريم فمن فضل الله تعالى على عبده أن يدرك نفحاته ( قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللَّهِ وَبِرَحۡمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلۡيَفۡرَحُواْ هُوَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ ) .
لَكَ الأروَاحُ يَا رَمَضَانُ تَهفُو
وَتَغتَسِلُ النُّفُوسُ وَتَستَقِيمُ
لَئِن أقبَلتَ مُشتَاقًا إلَينَا
فَمِلءُ قُلُوبِنَا شَوقٌ عَظِيمُ
وينبغي للمسلم أن يستقبل شهر رمضان بسلامة الصدر والتسامح مع الآخرين وكظم الغيظ ومقابلة الإساءة بالإحسان قال ﷺ :( وإذا كان يومُ صَومِ أحَدِكم فلا يَرفُثْ، ولا يصخَبْ، فإن سابَّهَ أحدٌ، أو قاتَلَه؛ فلْيقُلْ: إنِّي امرؤٌ صائِمٌ ) .
ومن فضائل هذا الشهر الكريم أن تفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران وتصفد فيه مردة الشياطين وفيه ليلة عظيمة وهي ليلة القدر التي أُنزل فيها القرآن لقوله تعالى : ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) .
ومن بركات هذه الليلة أن من قامها إيمانًا واحتسابًا غُفر له ماتقدم من ذنبه لقوله ﷺ : ( مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبه ) .
فإذا وفق الإنسان لإدراك هذه الليالي الفضيلة أعانه الله على فعل ماعزم به وضاعف له الأجر والمثوبة وإن وافته المنية كتب له الأجر بالنية .
ورمضان مدرسة إيمانية يتقلب المسلم فيها بين عدة عبادات : صيام وصلاة وقراءة قرآن وصدقات ومتى ما أخلص العبد وأداها على الوجه الأكمل أثمرت ثمرتها في النفس وتحقق أثرها في الحياة (لعلكم تتقون).
قال الإمام ابن القيم – رحمه الله – في كتابه “زاد المعاد” (٣٩٨/١) : “من صحَّ لَهُ رمضَان وسَلِم ، سَلِمَت لهُ سَائِر سَنَتِه “.
فهنيئاً لمن وفقه الله تعالى لإدراك هذا الشهر الكريم ومتعه بنعيم الصحة ليغنم بمغفرة الله ورضوانه والعتق من نيرانه .
إن الملوك إذا شابت عبيدهمُ
في رقهم عتقوهم عتق أبرارِ
وأنت يا خالقي أولى بنا كرماً
قد ِشبتُ في الرقِ فاعتقني من النارِ
فاللهم بلغنا شهر رمضان وأعنا على قيامه وصيامه وأجعلنا من عتقائك فيه ومن المقبولين يارب العالمين .
منى الشعلان
مقالات سابقة للكاتب