أحزان شوارعنا

في الواقع ما دفعني إلى كتابة هذا الموضوع هو أنني كنت أسير في أحد الشوارع ، و في الحقيقة كان هذا الشارع نظيفاً ويبعث الإنشراح و الهدوء و البهجة في النفس ، و صادفت في طريقي مركبة صغيرة تسير فإذا بصاحب المركبة و بكل إستهتار أخرج يده و ألقى بكيس به نفايات على قارعة الطريق .. أستنكرت بشدة هذا الفعل الذي ينم في الحقيقة عن عدم المسؤولية و عن التخلف و الرجعية إن صح التعبير .

اقتربت منه بعض الشيء و في خلدي أنه أحد الشباب الطائشين الذين يحتاجون إلى توجيه و نصيحة فإذا بي أفاجأ بأن الرجل راشد أي كبير في السن و ليس من المفترض أن يصدر هذا الفعل منه .. فتحيرت ماذا سأقول له ؟! .. و هل يحتاج من في مثل سنه أن يوجه ؟! .. أو من المفترض أن يقوم هو بالتوجيه و النصيحة إذا رأى هذا الفعل الذي قد يصدر من بعض الأطفال أو الصبية الذين يحتاجون إلى توجيه و إن لزم الأمر إلى تأديب .

و قلت في نفسي لو أنني خاطبته فلربما أسمع منه ما لا يرضيني و اكتفيت بنظرة عتاب لعله يفهم المقصد و لكن عدت و قلت – على طريقة حسن النوايا – ربما أنه قد سهى أو نسي ، و لكني أيضاً رأيت مثله الكثير و رأيت من يعطي أبنائه كيس النفايات ليقوم برميه من شباك السيارة .. و إن سألتهم لماذا ؟ .. يجيبون عليك قائلين : “ألا يوجد عامل نظافة و الدولة تعطيه الأجر على جمع ما نلقيه نحن و إلا ما فائدة عمال النظافة” !! ..

فأقول لهؤلاء .. هذا منطق أعوج يحتاج إلى تعديل ..و لو فكر هؤلاء و من على منوالهم بجدية و بعقل حصيف لرأوا أنهم يستطيعون أن يوفروا معاشات و رواتب عمال النظافة أو بعضهم على أقل تقدير ، بما يعود بالنفع على الوطن و المجتمع فيما لو تحمل كل منا مسؤوليته تجاه نظافة شوارعنا .. و أكاد أجزم بأن الشخص الذي يقوم بهذا العمل لا يمكن أن يفعله على سبيل المثال في منزله أو مكان جلوسه ..

و لقد رأيت ما هو أفظع من ذلك؛ فهناك من يأتي بالطعام إلى ساحات المسجد الحرام و يأكل ثم يقوم و ينفض يديه و ملابسه و يترك بقايا الطعام مكانه دون أن يتحرك فيه شيء من ضمير أو وازع من محاسبة النفس ، على الرغم من علمه بقداسة هذا المكان ، و من المعلوم عند الجميع أن هناك عشرات بل المئات من أوعية جمع النفايات المنتشرة في أرجاء المكان و لا تبعد عنه سوى بضعة أمتار ، و لكن تأتي نفس الحجة السابقة .. فهو يرى عمال النظافة منتشرون في الساحات و الأروقة فيتخلى عن مسؤوليته تجاه نظافة البقاع التي يجب أن تكون طاهرة و نظيفة ..

و إذا إنتقلنا إلى الحدائق العامة التي يروّح الإنسان فيها عن نفسه بضعة دقائق ، فحدث و لا حرج عن الإستهتار و اللامبالاة في رمي القمامة ، فقد يتعمد البعض إذا أراد الرحيل أن ينفض الفراش الذي كان يجلس عليه و يلقي بكل الأوساخ في نفس المكان الذي كان يجلس هو فيه ، ثم يسير و يركب سيارته دون أن يشعر و لو بوخزة ضمير واحدة تجاه عمله ذلك ..

ما الذي سيحدث لو قام الأب أو الأم بتعليم الأبناء في تلك اللحظة كيف تكون النظافة بجمع ما تناثر على الأرض في وعاء ثم رميه في مكانه المخصص ، فهم القدوة أمام الأبناء الذين هم في مرحلة التلقي و التقليد للسلوك سواء كان سلبي أم إيجابي .. و لكن للأسف كم قد رأينا من هذه الأمور التي تحزن و تؤلم النفس و النتيجة هي ( كيف يستقيم الظل والعود أعوج ) ..

و هنا تتدلى أمام ناظري علامات إستفهام كبيرة و كثيرة .. فأتساءل متى نرتقي بعقولنا ؟ .. و متى نشعر بمسؤولياتنا ؟ .. و متى ندرك أن هذه المرافق قد وضعت لنا نحن حتى نستخدمها لصالحنا و راحتنا و يجب علينا المحافظة عليها كما نحافظ على منازلنا .. فالوطن هو بيتنا الكبير الذي يضمنا تحت جناحه ..

فكم و كم من الشوارع و الشواطئ و حتى الجدران التي تم العبث بها و بكل إستهتار و حولت إلى ما يشبه بـ”جداريات” و لكن بطريقة خاطئة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى .. فيكتب فيها و يرسم بطريقة عشوائية قد تصل في بعض الأحيان إلى كلمات تجرح الحياء .. أهكذا تكون المجتمعات التي تنشد و تسعى إلى إعتلاء سلم الرقي و الحضارة و التحضر …

أخيراً و ليس آخراً .. فقد وقف العالم بأسره إحتراماً و تقديرا لذلك العمل النبيل الذي قام به مشجعي المنتخب الياباني عندما قام الجميع بتنظيف المدرجات – مدرجات الإستاد الرياضي – بعد إنتهاء المباراة و قبل أن يغادروا إلى منازلهم ، مما عكس روعة التحضر و سمو الأخلاق و كريم التربية .. فهذه هي الرياضة التي ينشدها من يحاول جعلها اللعبة الأكثر شعبية على الإطلاق .. و على الرغم من أنها مجرد لعبة و لكن فلتكن أخلاقنا حاضرة في كل شؤوننا .

 

إبراهيم يحيى أبو ليلى

مقالات سابقة للكاتب

2 تعليق على “أحزان شوارعنا

المغربيأأخي

أخي ابا ليلي ﻻفض فوك لقد اظهرت حقيقةمهمه عند اغلب فئات المجتمع وهي عدم المسؤلية اتجاه مجتمعهم وبلدهم وهذا سبب تأخرنا حضاريا ولو وضع احدهم امام بيته شئ من النفايات ﻷقام اﻷرض ومااقعدها ولكن المشتكى لله من مثل هؤ ﻻء

العتيبى

موضوع هام جدا يستحق الرصد وحقيقة تحصل للأسف اتمنى من يقرأه ان يراجع سلوكياته وتصرفاته

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *