تمنيت أن أسمع في أحد الأيام بطالب أنقذ حياة معلمه من خطر محقَّق، أو أهداه أحد أعضاء جسمه بعد داء عضال، يهدد حياته ……
وللأسف، فوجئت بخبر اعتداء طالب على معلمه أو قتل طالب لمعلمه، أو إتلاف ممتلكاته … !!
وهذا الطالب عاقلٌ مكلَّفٌ شرعاً ونظاماً وقانوناً؛ فازداد ألمي، وكثرت تساؤلاتي، مَنْ السبب ؟؟
وما الدافع لهذا الفعل الشنيع؟ وما حجم الكارثة؟ وهل يدرك الجاني مقدار الكارثة وأبعادها ؟؟!
فتأملت في القضية مِن أهم جوانبها، ومِن أبرز زواياها، ألا وهي (زاوية القيم) !!
وللأسف، لدى البعض خلل في منظومة القيم والأخلاق، وقد استشرى ذلك الخلل، فخرج من دائرة الأفراد حتى تسلل إلى بعض الأوساط التربوية والمؤسسات التعليمية …
فالقيم هي سياج الإنسان الذي يحتمي به عندما يواجه سطوة رغبات النفس وأهواء الذات، وهي منطلقاته للعمل الصالح والسلوك الإنساني القويم الذي يحفظ له كرامته، ويحقق له غاية خلقه من عبادة الله عز وجل، واستخلاف الأرض واستعمارها.
تمثل القيم مجموعة من المعتقدات والتصورات التي يفسر بها الإنسان معنى وجوده، ويحدِّد إطارها فهمه وعلاقاته مع الكون والإنسان والحياة، هي ذات مضامين معرفية ووجدانية وسلوكية يعتنقها الفرد بحرية من غير إجبار، مختاراً لها عن وعي وتفكر وتأمل، مفضلاً لها عما سواها، مما يؤدِّي إلى تشربها وتغلغلها في مكامن نفسه، فتصبح جزءاً من ذاته تؤثر في سلوكه وتصبغه بصبغتها، فيقوِّم مواقف الحياة، ومجرياتها وفق معاييرها، ويبني حياته وسلوكه وفق توجيهاتها.
فالقيم منطلقها كتاب الله وسنة رسوله الكريم، وهي خير من يحمي المجتمع المسلم من الانهيار أو الانحلال أو من شيوع الفساد، ومن ثم حماية أبناء المجتمع والحياة الاجتماعية والتربوية.
والقيم عبارة عن معايير محددة يمكن من خلالها تمييز الحسن من القبيح، والخير من الشر، التي يمكن استخدامها للحكم على الأشياء والتصرفات من حيث كونها جيدة أو سيئة.
ولا شك أنَّ المدرسة بمفهومها الصحيح من أهم المؤسسات التي تسهم في غرس القيم وتتعاهدها بالرعاية والاهتمام، وتحُوطها بالمراجعة والنقد الذي يتفق مع معايير العدل والإنصاف.
وتعدُّ القيم نِتاجاً لعملية التعلم، فهي تراكمية باعتبار العوامل المتغيرة والمؤثرة في اكتسابها عبر مراحل النمو المختلفة، وهي تفاعلية لأنها تظهر في الفكر والسلوك وتتفاعل مع المؤثرات البيئية والاجتماعية والثقافية المتعددة، فطالما هناك حياة هناك اكتساب وتعلم وتغيير في سلم القيم على درجات متفاوتة من القوة والضعف.
وأخيراً:
لابد من مزج التعليم بجرعات مكثفة من القيم النبيلة القائمة على الاحترام المطلق للجميع ولجميع الأجناس والأعراق والأديان، فضلاُ عمَّن أهداه العلم والمعرفة وطرق اكتسابها بدون منٍ أو أذى.
دامت صروحنا التربوية منارات للقيم مشاعل للمعرفة.
أ.د . عايش عطية البشري
جامعة أم القرى
مقالات سابقة للكاتب