رمضان والقرآن

إن هذا الشهر “رمضان” هو شهر “القرآن” وما أجمل أن يتلو الإنسان كتاب ربنا سبحانه وتعالى ؛ وفيه من الأجور العظيمة والحسنات الكثيرة ، وكل حرف بحسنة والحسنة بعشر أمثالها.

والله عزوجل أمرنا بكثرة القراءة { وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا } .
وكذلك مما ينبغي نحو القرآن في شهر رمضان أن نتأمله ونتدبر معانيه وأن نتفكر في مدلولاته ونأتمر بأوامره وننتهي عن زواجره فتكون هذه الآيات القرآنية التي نتلوها ليس مجرد تلاوة فحسب ؛ إنما تلاوة وعمل ، وهذا هو مفهوم قوله تعالى {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}.

والقرآن الكريم ملازم لرمضان بل إنه أبرز مزية ذكرها الله لرمضان.
والقرآن هو كلام الله عز وجل وهو المعجزة التي نزلت على نبينا محمد ﷺ فيه الهدى والنور والهداية والرشاد قال تعالى : ( إنَّ هذا القرآنَ يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أنَّ لهم أجراً كبيراً ) .

والقرآن هو آخر الكتب السماوية التي تم إنزالها على النبي ﷺ وهو كتاب الإسلام الخالد ومعجزته الكبرى وهداية للناس اجمعين قال تعالى : (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ) .

وقد اودع الله فيه علم كل شئ من الأحكام والشرائع والأمثال والحكم والمواعظ والتاريخ والقصص.

‏ولقد وصف الله القرآن بأوصاف عظيمة فبيّن سبحانه بأنه نور وتبيان، وهدى وفرقان، ورحمة وبشرى ، وأنس وذكرى، وهداية في كل الأمور وشفاء لما في الصدور.

‏وفوق ذلك كله وصفه بأنه روح، ومن المعلوم أن في الروح حياة للبدن، وبدونه تكون جثة بلا حياة، فمن أراد لروحه أن تحيا ولقلبه أن يسعد، فليعلق تلك الروح وذلك القلب بالقرآن الكريم .

‏قال الله تعالى: (( وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)).

فلو أقبلنا على القرآن إقبالا صادقا لاستخرجنا منه الشفاء لقلوبنا والعلاج لمشكلاتنا والهداية في كل شؤوننا وأحوالنا.
قال تعالى : ‏﴿أفلا يتدبّرون القرآن﴾
كلما أعطيت نفسك للقرآن بأن تتدبر آياته،
أعطاك القرآن من نفحاته، وأظهر لك الجديد من المعاني التي لم يسبق لك ملاحظتها من قبل..
فالقرآن ⁩علاج لمن كسرت الحياة قلوبهم ،
والقرآن ربيع العمر ونور الصدر وشفاء الروح
وروح القلب وطمأنينة النفس ومطفئ الأحزان والآلام وبلسم الجراح .

‏قال أحد العلماء : إنه لشيء عظيمٌ أن يخصنا الإله الكبير المتعال، مالك الملك سبحانه بخطابه وكلامهِ ، ويخصنا بشرف التحدّث إليه ومناجاته.

قال الإمام ابن القيم:“ليس شيءٌ أنفع للعبد في معاشه ومعاده وأقرب إلى نجاته من تدبر القرآن وإطالة التأمل فيه وجمع الفكر على معاني آياته”.

‏ومن أحسنَ صُحبة القرآن فإنَّ القرآن يصحبه، حتى يقوده إلى الجنة في درجاتها العالية؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (يُقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتِّلْ كما كنتَ ترتلُ في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها).
قال عبد الحميد بن باديس : “فوالله الذي لا إله إلا هو ما رأيت وأنا ذو النفس الملأي بالذنوب والعيوب أعظم إلآنة للقلب واستدراراً للدمع وإحضاراً للخشية والحث على التوبة من تلاوة القرآن وسماعه “.
فمن تدبر القرآن طالبًا الهدى منه ، تبين له طريق الخير .
فلا يرام صلاح قلب ولا إصلاح نفس إلا بالقرآن ولا يقام ليل حق القيام إلا بالقرآن ولا شفاء لأرواح الموحدين وقلوب العابدين إلا بالقرآن .
والقرآن يأتي شفيعاً لأهله يوم القيامة فالحرص على قرآته وحفظه وتدبره .
لقوله – صلى الله عليه وسلم-: «اقْرَؤوا القرآنَ فإنه يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابه».

آياتُهُ كُلَّما طالَ المَدى جُدُدٌ
‏يَزينُهُنَّ جَلالُ العِتقِ وَالقِدَمِ

وقارئ القرآن له بكل حرف عشر حسنات: لقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: «من قرأ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها لا أقولُ (الـم) حرفٌ ولكنْ (ألفٌ) حرفٌ و(لامٌ) حرفٌ و(ميمٌ) حرفٌ».

▪️ومن ابرز الأهداف لقرآءة القرآن:
🔸 العلم
🔹العمل
🔸 الأجر
🔹 المناجاة
🔸 الاستشفاء
🔹 الخيرية
🔸 الشفاعة

💎 المراتب الخمسة الربانية لصاحب القران:

🔸 الشفاعة : ( فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه )

‏🔹 الرفعة : ( فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها )

‏🔸 الصُحبة : ( مع السفرة الكرام البررة )

‏🔹الخيرية : ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه )

‏🔸 الأهلية : ( أهل القرآن هم أهل الله وخاصته )

فإن قرآءة القرآن وتدبره مصدر للسعادة والانس بالله جل جلاله .

قال تعالى: ﴿ طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى ﴾ .

والقرآن قد نزل بالليل وقراءته فيه أفضل في شهر رمضان من نهاره.

فقد ثبت من حديث ابن عباس رضي الله عنهما:”‏أن المدارسة بينه ﷺ وبين جبريل كانت ليلاً “.

فدل على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلاً فإن الليل تنقطع فيه الشواغل، وتجتمع فيه الهمم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر.

كما قال تعالى:{إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا}.

فعلى الصائم أن يدارس القرآن كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدارسه، وأن تكون معايشته للقرآن في رمضان أكثر من غيره؛ فرمضانُ هو شهر القرآن، فليكن همك وهمتك أن تختم القرآن أكثر من مرة في رمضان .
‏فالسباق السباق لتلاوته وتدبره والعيش معه والإرتباط به كلية في هذا الشهر فهو أفضل وأجمل عيش تفاخر به بين يديه.

قال ابن الجوزي رحمه الله:
“‏إذا لم يختم المسلم القرآن تلاوةً في رمضان شهر القرآن، فلن يختمه في سائر السنة إلا أن يشاء الله ‏وعدم الختم خذلان يستوجب إدامة الدعاء بكشف الغُمَّة ورفع الغفلة عن القلب”.

و‏قال محمد بن كعب:
“من قرأ القرآن مُتِّع بعقله،وإن بلغ مائتي سنة”.

وبقدر ما يعظُمُ في قلبك كلام الله وأوامره ونواهيه، بقدر ما تنالُ الكرامة عند الله لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الله يرفع بهذا القرآن أقواماً ويضع به آخرین).

وقال تعالى :
‏{إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}.

وقال مالك بن دينار رحمه الله:
“إن الصِّدِّيقين إذا قُرِئ عليهم القرآن، طربت قلوبهم إلى الآخرة” .

‏وخلاصة ما تقدم :
‏”الزم كتاب الله وأكثر من تلاوته وتابع الختمة بعد الختمة، واحفظ الثواني قبل الدقائق فأوقات رمضان أغلى من الذهب، ونافس في ميادين الطاعات، فهذه الجنة قد فُتِحت أبوابها لك !

كم من ضريرٍ لهُ في العمر ⁧‫أمنيةٌ‬⁩
‏أنْ تنظر العينُ في ⁧‫القرآن‬⁩ ما قيلا

‏وكم أصَـمٍ تـمنّى أنْ له أذُنٌ
‏تُصْـغِي فيسمـع للقرآن ترتيلا

‏وأنـتَ تنعَمُ في سمْعٍ وفي بصر
‏ولستَ ترضى عن النّعْماءِ تحْويلا

‏فكيف تهجر قرآن الهدى سفها
‏بلا حياء وقد فضلت تفضيلا ..؟

‏اللهم أشغل أوقاتنا بقراءة القرآن وتلاوته وتدبره ، وأجعله شفيعاً وأنسٌ لنا في الدارين ، وأرفعنا بالقرآن، الذي رفعت مكانه، وأيدت سلطانه، وبينت برهانه، وأغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين •

منى الشعلان

مقالات سابقة للكاتب

14 تعليق على “رمضان والقرآن

مها الطبيشي

‏من كان مع القرآن كان القرآن له صاحباً في الغربة، وثباتاً عند الفتنة، وسلوة عند الشدة، وشفاء من العلة، ومؤنسا في الوحشة، ودليلاً إلى الجنة.

منيرة الكثيري

جزاك الله خيرا أستاذة منى على هذا المقال الجميل وأحب أضيف بأن الجوال من أكثر الصوارف عن الختمات والتدبر فما أجمل أن يوضع على وضع الطيران أثناء ساعة التلاوة.

مريم الحسين

القُرآنُ يَصْنَعُ مِنكَ شخصيَّةً مُختلِفة،تمامًا!. يُستحالُ أن تُعطِي القُرآنَ وقتَكَ وجُهدَكَ، ولا تَجِدُ لَهُ أَثَرًا..يُستحالُ أن تبقى عاداتُكَ السَّيئة كما هِيَ. حتَّى في الابتلاءات تَجِدُ أنَّ التَّسلِيم والرِّضا دَأبُكَ وعادَتُكَ، والطُمأنِينَةُ تنزِلُ على قلبِكَ.

هدى سالم

‏الغفلة عن القرآن وتلاوته ضياع وشتات،
‏لا تُعرف حقيقته إلا عند العودة إليه، والموفق من إذا تثاقل عن ورده أدركته رحمة ربه، وجاءه التوفيق والتأييد .. فعاد يتلمّس الغيث لقلبه قبل أن يطول به هجر القرآن ويألف حياة الحرمان وهو لا يشعر!

أمينة الجهني

‏دع غالب يومك في هذا الشهر الكريم وأنت قارئٌ متدبرٌ في كتاب الله، تأمّل الأيات وتفكّر فيها، ففي هذا الفوزُ المبين والنفعُ الكبير.
‏ها قد مضت عشر أيامٍ خِفافٍ مسرعات، فأحسن العمل لتجنيَ بإذن الله الرّبح في دُنياك وأُخراك.
‏ ⁧

محمد الفضلي

‏﴿وَكَذلِكَ أَوحَينا إِلَيكَ روحًا مِن أَمرِنا﴾
‏[الشورى: ٥٢]

‏ سُمِّيَ القرآن روحًا لأن الروح يحيَا بها الجَسد ، والقرآن تحيَا به القلوب والأرواح وتحيا به مصالح الدنيا والدين.

إيمان الحبيب

‏رمضان شهر القرآن ، كان السلف رحمة الله عليهم اذا أتى رمضان أغلقوا كل كتب العلم وأقبلوا على القران بتلاوته وتدبر آياته ، لعلمهم أن الأجور في رمضان مضاعفة ، وخير مايستغل به تلك الاجور كلام الله .
‏” لا تخرج من رمضان إلا وقد ختمت القران مرة واحدة على الاقل ” .

سعد الحامد

‏قال ابن عثيمين رحمه الله :

‏ (الإنسان عند قراءة القرآن يُبتَلَى بأمرين :
‏ إمَّا الكَسَل وعدم الاستِمرار فيه ‏وإمَّا عدم التَّدبُّر .
‏فإذا استعذتَ بالله من الشَّيطان الرَّجيم حَماكَ الله منه ، ‏ووفِّقتَ للاستِمرار في القراءة والتَّدبُّر).

‏”شرح بلوغ المرام” ( ٢ / ٥٠)

فاطمة العامودي

‏رسالة إلى من قَصّر في التلاوة، وتعثر في ختم القرآن ‏ما زال في الشهر الكثير لا تلتفت إلى ما مضى، وابدأ من الآن، وكأنه أول يوم.
‏واعلم أن ساعة واحدة في النهار -ولو مفرقة- وكذا ساعة واحدة في الليل، يحصل بهما ختم القرآن كل خمسة أيام-بإذن الله-.
‏”احرص على ما ينفعك،واستعن بالله ولا تعجز”.

مازن الفهمي

* القرآن كلام الله ووحيه، ورسالته إلى خلقه، وهو الهدى والرحمة والنور والفرقان والموعظة؛ فليكن لك منه أوفر نصيب في هذه العشر.

* القرآن هو التجارة الرابحة، تُرفع به الدرجات وتكثر الحسنات، ويشفع لقارئه يوم القيامة، والمغبون مَن استبدله بالمجلات ومواقع التواصل والشات!

* اتلُ كتاب ربك، مترسلا متمهلا، استعذ بالله في أوله، استحضر المعاني، اخشع وادْمَع: (تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم).

* كان النبي صلى الله عليه وسلم (إذا مرَّ بآيةٍ فيها تسبيح سبح، وإذا مرَّ بسؤالٍ سأل، وإذا مرَّ بتعوذٍ تعوذ) فتأسَّ به في قيامِك.

* أكثِر من تلاوة القرآن في هذه العشر المباركات، ولتكن لك فيها عدة ختمات، فالإكثار من التلاوة مستحب في الأوقات والأماكن الفاضلة اغتنامًا لها.

إبراهيم المخلافي

📌السلف وقراءة القرآن في رمضان:
‏كان قتادة ‏يختم القرآن في سبع
‏فإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث
‏فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة.

‏وقال الربيع بن سليمان:‏كان الشافعي
‏يختم القرآن في رمضان ستين ختمة.

‏فعن إبراهيم النخعي ‏قال:كان الأسود يختم القرآن في رمضان ‏في كل ليلتين.

أمل سعود الحويطان

خلاصة هذا المقال الجميل للأستاذة منى – الله يكتب لها الأجر والثواب – أن ‏الزم كتاب الله وأكثر من تلاوته وتابع الختمة بعد الختمة واحفظ الثواني قبل الدقائق فأوقات رمضان أغلى من الذهب ونافس في ميادين الطاعات فهذه الجنة قد فُتِحت أبوابها لك واحذر من ضياع الأوقات ومن الكلام الذي لا فائدة فيه فهي أيام معدودات فاغتنمها ولاتعجز .

خديجة الهاشمي

‏من بركة القرآن أنه يكون شفيعا لصاحبه يوم القيامة ، يشفع له من أهوال الفزع الأكبر ومن عذاب النار .
‏فعن أَبي أُمَامَةَ – رضي الله عنه – ، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – يقول : (اقْرَؤُوا القُرْآنَ ؛ فَإنَّهُ يَأتِي يَوْمَ القِيَامَةِ شَفِيعاً لأَصْحَابِهِ ) .

ليلى الحمدان

‏مع أننا نقرأ القرآن بشكل دوري إلا أن القرآن في رمضان له وقعه الخاص جدا، تصنع كل آية فيك شوقا ومكانة خاصة، فإن ختمت ورجعت تقرأها مرة أخرى، تشعر وكأن معانيها تحتضن شوقك من جديد وتبثك الشوق للختمة المقبلة!
‏إنها قصة وصال ممتد لا ينضب! فلا تخرج من رمضان إلا والقرآن أحب إليك من نفسك!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *