الاعتكاف أعلى درجات حفظ الصوم

رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفظ الصوم مما يمحق أجره، ويخليه من مقاصده، فقال ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: ” ﻗﺎﻝ اﻟﻠﻪ: ﻛﻞ ﻋﻤﻞ اﺑﻦ ﺁﺩﻡ ﻟﻪ، ﺇﻻ اﻟﺼﻴﺎﻡ، ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻲ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺟﺰﻱ ﺑﻪ، ﻭاﻟﺼﻴﺎﻡ ﺟﻨﺔ، ﻭﺇﺫا ﻛﺎﻥ ﻳﻮﻡ ﺻﻮﻡ ﺃﺣﺪﻛﻢ ﻓﻼ ﻳﺮﻓﺚ ﻭﻻ ﻳﺼﺨﺐ، ﻓﺈﻥ ﺳﺎﺑﻪ ﺃﺣﺪ ﺃﻭ ﻗﺎﺗﻠﻪ، ﻓﻠﻴﻘﻞ ﺇﻧﻲ اﻣﺮﺅ ﺻﺎﺋﻢ “.

وﻗﺎﻝ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: “ﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﺪﻉ ﻗﻮﻝ اﻟﺰﻭﺭ ﻭاﻟﻌﻤﻞ ﺑﻪ، ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻠﻪ ﺣﺎﺟﺔ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻳﺪﻉ ﻃﻌﺎﻣﻪ ﻭﺷﺮاﺑﻪ”.

وإن مما يحفظ به الصوم اجتناب المواطن والأحوال التي تكون مظانا لدفع الصائم إلى ارتكابه ما يخل بصحة صومه أو تمام أجره.

ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر: الأسواق، والطرقات، ومجامع الناس التي يغلب عليها اللغط والقيل والقال، وقد يكون ذلك بمجرد العزلة وعدم غشيان تلك المواطن إلا للضرورة إلى ما لا بد منه، وهذا أقل ما يحصل به ذلك الحفظ.

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: “ﻓﻤﻦ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ اﺟﺘﻤﺎﻋﻪ ﺑﺎﻟﻨﺎﺱ ﺧﻴﺮ، ﻓﺘﺮﻙ اﻟﻌﺰﻟﺔ ﺃﻭﻟﻰ، ﻭﻣﻦ ﺧﺎﻑ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﺧﺘﻼﻃﻪ ﺑﺎﻟﻨﺎﺱ ﻟﻜﻮﻧﻪ ﺳﺮﻳﻊ اﻻﻓﺘﺘﺎﻥ ﻗﻠﻴﻞ اﻹﻓﺎﺩﺓ ﻟﻠﻨﺎﺱ، ﻓﺒﻘﺎﺅﻩ ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻪ ﺧﻴﺮ، ﻭاﻟﻤﺆﻣﻦ اﻟﺬﻱ ﻳﺨﺎﻟﻂ اﻟﻨﺎﺱ، ﻭﻳﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﺃﺫاﻫﻢ ﺧﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻣﻦ اﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺨﺎﻟﻂ اﻟﻨﺎﺱ، ﻭﻻ ﻳﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﺃﺫاﻫﻢ”.

ثم تاتي بعد ذلك درجة أعلى من هذه الدرجة وهي أن يضيف إلى اعتزال تلك المواطن ملازمة مواطن الذكر والعبادة، ومجالس الصالحين، ومحافل العلم، وحلق القرآن، ونحو ذلك مما هو كله عبادة وقربة إلى الله تعالى، واستزادة مما يُرشد إليه، ويُقرب منه، ويُبعد عن الضلال والغي.

ثم تأتي درجة ثالثة هي أعلاها وهي ﻟﺰﻭﻡ ﻣﺴﺠﺪ من المساجد ﻟﻄﺎﻋﺔ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، وتلك هي عبادة الاعتكاف التي لازمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أزواجه من بعده وصحابته، ثم أئمة هذه الأمة من العلماء والعباد إلى يومنا هذا.

وتتأكد سنية هذه العبادة في العشر الأواخر من رمضان لملازمة الرسول صلى الله عليه وسلم للاعتكاف فيها.

ولا يحصل أجر الاعتكاف إلا بالنية، فينبغي ﻟﻤﻦ ﻗﺼﺪ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﺃﻥ ﻳﻨﻮﻱ اﻻﻋﺘﻜﺎﻑ ﻣﺪﺓ ﻟﺒﺜﻪ ﻓﻴﻪ ﻻﺳﻴﻤﺎ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺻﺎﺋﻤﺎً.

ولا يتحقق المقصود من هذه العبادة بما يفعله بعض الناس من تحويل مجالسهم المعتادةوأحاديثهم المتداولة إلى المساجد بدل البيوت والاستراحات التي كانت محلا لها، بل بملازمة المساجد للتفرغ للعبادة والإعراض عن الفضول وما يخدش الصوم أو يُنقص من أجره.

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، والتأسي بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم.

محمد بن أحمد الأنصاري

مقالات سابقة للكاتب

2 تعليق على “الاعتكاف أعلى درجات حفظ الصوم

سماعيل

جزاك الله خير

غير معروف

زادكم الله من فضله وسددكم ورفع وقدركم في الدنيا والآخرة ، جميل من جميل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *