الحمد لله أن مدَّ في آجالنا وبلَّغَنا شهر رمضان، ونحمده أن منَّ علينا بنعمة التمام، ونسأله القَبول لصالح الأعمال، والصلاة والسلام على خير الأنام نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمابعد:
فما أَسرع أَيام السُّرور وَأَعجَلَ انقِضَاءَهَا! وما أَشد فوات لحظات الفرحِ وأَقسى زوالها! وَاللهِ لكأَننا نتذَكر يوم هل بِالأَمس هلالهُ، وَتباشرَ الناس بنسيمهِ وظلالهِ، ها هي سفِينتهُ اليوم تسير سريعا، وساعاته تمضي جميعا، ها هو قد اقترب رحيله وأَزف تحويله، فيا ليت شعري من المقبول منا فَيُهَنَّا، ومن المردود فَيُعَزَّى؟!
تَرَحَّلَ الشَّهْرُ وَالَهْفَاهُ وَانْصَرَمَا
وَاخْتَصَّ بِالفَوْزِ بِالْجَنَّاتِ مَنْ خَدَمَا
********
مَنْ فَاتَهَ الزَّرْعُ فِي وَقْتِ البَذَارِ فَمَا
تَرَاهُ يَحْصُدُ إِلاَّ الْهَمَّ وَالنَّدَمَا
********
طُوبَى لِمَنْ كَانَتِ التَّقْوَى بِضَاعَتَهُ
فِي شَهْرِهِ وَبِحَبْلِ اللهِ مُعْتَصِمَا
ولنتفكَّر عند رحيلِه سرعة مرور الأيام، وانقضاء الأعوام، ودنو الآجال؛ فإن في مرورها وسرعتها عبرةً للمعتبرين، وعِظة للمتَّعظين.
نَسيرُ إلى الآجَالِ فِي كل لحـظةٍ
وأعمَارنَا تُطْــوَى وَهُنَّ مَــرَاحِلُ
********
تَرَحَّل مِن الدُّنيَا بزادٍ مِن التُّقى
فَعُمْــــــرُكَ أَيَامٌ وَهنَّ قَـلَائـِلُ
فالعاقل – أيها الأحبة – من اتعظ بأمسه، واجتهد في يومه، واستعد لغده، فمن زرع خيرًا كان له عند الله ذخرًا؛ فإن لكل زارعٍ ما زرع، فمن زرع خيرًا يُوشك أنْ يحصد رغبة، ومن زرع شرا يوشك أن يحصد ندامة، ولا يسبق بطيء بحظه، ولا يُدرِك حريصٌ بحرصه، ما لم يقدر له، فمَن أُعْطِى خيرًا فالله أعطاه، ومَن وُقِي شرا فالله وقاه، وإنَّ المؤمن بين مخافتين: بين أجلٍ قد مضى لا يَدرِي ما الله صانعٌ فيه، وبين أجلٍ قد بقي لا يدري ما الله قاضٍ فيه، فليأخذ العبد لنفسه من نفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الهرم، ومن الصحة قبل السقم، ومن الإِمكان قبل الفَوْت، ومن الحياة قبل المَوْت، فوالله ما بعد الموت من مستعتب، وما بعد الدنيا من دارٍ إلا الجنَّة أو النار.
فعلينا بالآخرة تتبعنا الدنيا، فإنَّ الله – تعالى – قد خطَّ آثارنا، وقدَّر أرزاقنا، فلنطلب ما عند الله على ما سواه، ولانتشاغل بما لم نؤمر به عمَّا كلفنا به الله؛ فإنَّه لا يُنال ما عند الله إلا بطاعته، والله غنيٌّ عن العالمين.
وليكن وداعنا لرمضان – أيها الأحبة – بدايةً لصفحة جديدة مع تغيير مستمر مع النفس، ولنسأل الله في ختام هذا الشهرِ الثباتَ على الأعمال الصالحة فإنَّ مَن خالَط الإيمان بشاشةَ قلبه، لا يمكن أن يَهجر الطاعات وقد ذاقَ حلاوتها وطَعمها، وشَعَر بأُنسها ولذَّتها في شهر رمضان.
فاللهم اجعلنا من المداومين على الطاعة حتى نلقاك، ونعوذ بك من العمى بعد البصيرة، ومن الضلال بعد الهدى، وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.
حسن مهدي قاسم الريمي
مقالات سابقة للكاتب