فرح وقيود

من حق كل مسلم أن يفرح بما آتاه الله من النِعم، ومن حقه أن يحدّث بتلك النعم اعترافًا بفضل الله عليه كما قال تعالى :
{ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ }
ومن حقه كذلك بل من الواجب شكر الله تعالى على تلك النعم الظاهرة والباطنة.
جميعنا نعترف وندين لله تعالى بتلك النعم على اختلافها، نِعم نعرفها ونِعم نعيشها ولا نستشعرها أحيانًا؛ لكثرة اعتيادنا عليها، فلله الفضل من قبل ومن بعد.
قال سبحانه :
{ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }
إن من يستشعر نِعم الله لابد له من تذكّرها والتحدث بها على سبيل التذكير، وهذا التذكير يستلزم الشكر دومًا، وهذا الأمر هو الطبيعي وهو الذي جاء به الهدى النبوي ودعت إليه الآيات القرآنية.
لكن ما نراه اليوم من إخفاء بعض النعم والإرغام على عدم إظهارها؛ قد يكون السبب في ذلك خوفًا من الحسد الذي يصدر من البعض ممن ضعفت نفوسهم ولم تمتلئ قلوبهم بالإيمان بما قسم الله بين عباده من النعم؛ فتراه لا يذكر الله ولا يُبرّك حينما يرى أثر نعمة من الله على غيره_ نسأل الله السلامة والعافية_ وهذا من أخطر ما يهدد المجتمع وتماسك العلاقات فيه.
وهذا يدل على حسد في نفس صاحبه، كما يدل على عدم الرضى بما قسم الله.
أيها الفضلاء:
لنكن في هذا المجتمع المسلم دعاة خير لتماسك المجتمع من خلال زرع القيم النبيلة التي تقوي دعائم المجتمع، ولنستند في ذلك لمنهج خير البشر عليه الصلاة والسلام.

رَأى عامِرُ بنُ رَبيعَةَ سَهْلَ بنَ حُنَيفٍ يَغتَسِلُ، فَقال: واللهِ ما رَأيتُ كَاليومِ، وَلا جِلْدَ مُخبَّأةٍ! قال: فلُبِطَ بِسَهلٍ، فأُتِيَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فَقيلَ لَه: يا رَسولَ اللهِ، هل لَك في سَهلِ بنِ حُنَيفٍ؛ واللهِ ما يَرفَعُ رَأسَه؟ فَقال: هل تَتَّهِمونَ لَه أحدًا؟ قالوا: نَتَّهِمُ عامِرَ بنَ رَبيعةَ، قال: فَدعا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عامرًا، فتَغلَّظَ عليهِ، وَقال: عَلامَ يَقتُلُ أَحدُكم أَخاه؟! أَلا بَرَّكتَ! اغتَسِل لَه، فغَسَلَ لَه عامِرٌ وَجهَه ويَديهِ، ومِرفَقَيه ورُكبَتَيه، وأَطرافَ رِجليْه، ودَاخِلةَ إِزارِه في قَدَحٍ، ثُمَّ صُبَّ عَليه، فَراحَ معَ النَّاسِ لَيسَ به بَأسٌ.
إن مما يقيّد الفرحَ لدى كثير من الناس، تلك النفوس الحاسدة التي لا تخاف الله في غيرها؛ فتراهم يحسدون غيرهم على ما آتاهم الله من فضله ولهذا يأتي النهي الصريح من الله تعالى:
{ أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله }
في الحديث السابق قال عليه الصلاة والسلام:
( عَلامَ يَقتُلُ أَحدُكم أَخاه؟! أَلا بَرَّكتَ! اغتَسِل لَه )
وهذه دعوة صريحة من سيد البشر عليه الصلاة والسلام للتبريك لمن منّ الله عليهم بالنعم؛ وهذا دليل على أهمية أن نؤمن بتلك الأرزاق المقسمة من الله، وأن نرضى بما قسم من خير ورزق وعافية وأن نقنع بما لدينا.
وأن لا نكون قيودًا نمنع غيرنا من الفرح بما لديهم من النعم، أو نكون سببًا في نشر الحسد.
أمر آخر مهم :
لو حصل منك دون قصد أن تصيب أحدهم بكلمة عابرة فعليك أن تعطيه من أثرك كما قال عليه الصلاة والسلام: ( اغتَسِل لَه )
ثم إن فعل الأسباب في ذلك من أوجب ما يجب .
قال عليه الصلاة والسلام:
( لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ )
أيها الكرام :
إن قلبًا امتلأ بالإيمان لا يمكن أن يحسد أخاه المسلم أو تكون نفسه تتوق لما لديه حسدًا .
ثم إن هناك فرق بين الحسد والغبطة:
فالحسد يعني:
نَظَر بقَهْر إلى نِعمة عند غيره فطَمِع بها وتمنَّى زَوالها واشْتهاها لِنَفسه.
نسأل الله العافية.
أما الغبطة فهي:
أن يتمنى المرء مثل ما للمغبوط من النعمة من غير أن يتمنى زوالها عنه.
وهنا فرق شاسع بين المعنين، والمؤمن حريٌّ به ألا يكون حاسدًا؛ لأن إيمانه يمنعه من ذلك..
همسة:
دعونا نفرح دون قيود، ودعونا نستمتع بالحياة وفق شرع الله وهدي نبيه عليه الصلاة والسلام.
دعونا ننعم بنعم الله دون أن نخشى غيره.
وليذكّر بعضنا بعضًا بالأوراد والتحصين من شياطين الإنس والجان.
وليكن في سيرة نبينا الكريم العطرة خير دليل ومنهج ؛ لتطيب لنا الحياة..

فاطمة بنت إبراهيم السلمان

مقالات سابقة للكاتب

تعليق واحد على “فرح وقيود

أحمد بن مهنا

الحسد من أبغض الصفات يحرق حسنات صاحبه قبل أن يؤذي به غيره ، وديننا حذرنا منه وأخبرنا كيف نتوقاه.
وأما الفرح بالنعمة فله منهجه في الدين كذلك .. فلا مباهاة ولا اختيالا ولاعحب ولاتكبر ولا أذى للفقراء بإبرازها ، الفرح ينبغي أن يكون شعورا حسنا واستشعارا بها ينتج شكرا وتواضعا ولنا في سيرة نبينا عليه الصلاة والسلام وصحابته من بعده قدوة ومنهجا نسير عليه خلفهم، ولعل ما أصاب الحسد بعضهم إلا من عاجل عقوبته لأنه من المختالين والمتكبرين بالنعم ، وما أغرق قارون إلا تكبره بالنعم. شكرا لك كاتبة المقال .. رائع ماكتبت ! وباعث للتفكير الصحيح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *