الحمد لله الذي أكرمنا بالعقل، وأحل لنا الطيبات، وحرم علينا الخبائث، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فمن مقاصد الشريعة التي جاء الإسلام بها حفظ الضروريات الخمس، وهي حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ العرض، وحفظ المال.
فحفظ العقل من جملة الضروريات التي أمر الشارع – جل وعلا – بحفظه، وعدم تعرضه للهلاك، فهو من أعظم نعم الله تعالى على الإنسان الذي كرمه به تكريمًا بليغًا، فجعله مناط التكليف والمسؤولية، وبه فضَّلَهُ على سائر الكائنات تفضيلًا، وبواسطته هيأه للاستخلاف في الأرض، وإعمارها بالخير والصلاح.
وقد دعت الشريعة إلى الحفاظ على مقصد العقل، بالدعوة إلى حسن استعماله وتوظيفه، فشرَّعتْ تدابيرًا لإبقائه، وتدابيرًا لمنع زواله، وحياطته من كل ما يُذهب فكره، ويُعطِّل مَلَكَته، فنهتْ عن تناول الخمر لما لها من تأثير بالغ على ذلك فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: ٩٠].
والحِكمة من تحريم الخمر المحافظة على نعمة العقل.
ومن وسائل حفظ هذه النعمة تحريم الخمر والمسكرات والمخدرات، وتحريم كل ما من شأنه أنْ يؤثر على العقل، ويَضُر به، فهي من جملة الآفات الفتاكة التي تنخر في جسد المجتمعات، وتهدد مستقبلها ومستقبل أبنائها.
ولايخفى على كل ذي لُبٍ وأدنا بصيرة أن المخدرات من أشد المسكرات فتكًا وخطرًا وتأثيرًا على المجتماعات والشعوب، أعاذنا الله وإياكم منها.
فتأثيرها لايقف على الفرد المدمن فحسب، وإنما يمتد تأثيرها إلى الأسرة ومن ثم للمجتمع، فينعكس بشكل سلبي على الجانب الإنساني والاجتماعي والاقتصادي لأنها تحد من قدرة الفرد على الانتاج والتنمية، وتهدد القيم المجتمعية السائدة فيها.
وإذا نظرنا إلى معظم الجرائم في المجتمع نجد أن المخدرات تقف خلفها، فالحوادث المرورية، أو جرائم ارتكاب السرقات، أو القتل، أو غيرها؛ تكشف أن المدمن يمكن أن يسرق من أجل أن يحصل على قيمة المخدر، أو يقتل أحد أقربائه من أجل أن يحصل على المال، أو يسرق أموالهم لشراء المخدر.
والتساهل في مكافحتها هو من أخطر المسالك التي تؤدي إلى انهيار المجتمع، وإلحاق أفدح الضرر باقتصادياته وبرامجه الاصلاحية، ورغبته في النهوض والنمو.
وتعد مشكلة المخدرات من أكبر المشاكل التي تعاني منها دول العالم، وبلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية حرسها الله ليست في معزل من هذا العالم، بل هي جزء مهم منه، وأمنها هو جزء من الأمن العالمي.
وهي من أكثر دول العالم استهدافًا بالمخدرات، كونها قبلة المسلمين وتتوافر فيها الإمكانات الاقتصادية، وتنعم باستتباب الأمن والاستقرار.
وكون شبابها من الناحية العددية يشكلون أغلبية السعوديين وفقًا لتقرير الهيئة العامة للإحصاء الصادر في أغسطس عام 2020.
لذا نجد أن هذه الآفة تتكاثر في عصرنا الحاضر وتنتشر في المجتمع بسرعة هائلة وبطرق ووسائل متنوعة، وتجتاح بآثارها القاتلة وأخطارها المتعددة كثير من الدول الفقيرة والغنية، على حدٍّ سواء.
وأمَّا اللافت في الأمر فهو ما استجدَّ حديثًا من ظهور مواد مخدرة جديدة كمادة (الشبو) التي تعتبر من أشد أنواع المخدرات فتكاً وتدميرًا، والأسرع في إنهاء حياة المتعاطي على الإطلاق، وأخطر بعشرات المرات من الكبتاجون، ومن أول جرعة من هذه المادة تحدث عملية الإدمان. كما ذكر ذلك أهل الإختصاص.
وقد حرصت الدولة وفقها الله وسددها على القضاء على هذه الآفة بمختلف أنواعها ومسمياتها بكل حزم وقوة، والتي تستهدف بالدرجة الأولى شباب هذا الوطن والنيل من عقولهم.
فاستهداف الأجيال الشابة في أي بلدٍ يمثل ضربًا للمستقبل وإضرار بالأمن، والتنمية.
وما تقوم به أجهزة الدولة على كافة المستويات، وما تبذله من جهود حثيثة في مكافحة هذه الآفة والحد من أضرارها وخطورتها على الفرد والمجتمع، بدعم وتوجيه ومتابعة من القيادة العليا سددها الله، ليؤكد أهمية تكاتف القيادة مع مواطنيها والمقيمين على أرضها، كل في موقع مسؤليته وعمله، سواء على المستوى الفردي أو المستوى الإجتماعي أو المستوى الدولي.
ومما سبق يتضح لنا مدى خطورة هذه الآفة على المجتمعات وعواقبها الوخيمة على حياة الإنسان في الدنيا والآخرة، وأنها من الآفات الاجتماعية الخطيرة، بل أخطرها على الإطلاق، ولذلك فمن الواجب على الجميع التكاتف لمحاربة هذه الآفة التي تهدد أمن المجتمع واستقراره، ونحن ولله الحمد في دولة لديها كل مقومات المحاربة وأهمها العقيدة والإيمان ومتى ما رسخ هذا المعنى ستصبح هذه الآفة منبوذة.
والحمدلله رب العالمين، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
حسن مهدي قاسم الريمي
مقالات سابقة للكاتب