الزوج نعمة من الله على الزوجة ، وكذلك الزوجة نعمة على زوجها ، والأولاد زيادة في النّعم ، كيف لا ، وكلاهما سكنٌ للآخر ،قال تعالى: ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) ، بل جاء في قوله تعالى : ( هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ ) ، قال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وغير واحد : يعني هنّ سكنٌ لكم ، وأنتم سكنٌ لهنّ ، وقال الربيع بن أنس : هنّ لحافٌ لكم وأنتم لحافٌ لهنّ ) تفسير ابن كثير.
فالعجيب من بعض الزوجات ، بعد عمر مديد ، وحياة طويلة ، تسعى جاهدة ، لفك ارتباطها بالزوج ، يالعجب ! ما الحجة ؟ وما السبب ؟ وما الدافع ؟ أشبهة عَرضت على قلب الزوجة ، أم وشاية من أحد ، يريد قطع الصلة بين الزوجين ، أم بطراً وتكبراً طرأ على الزوجة مع انفتاح زهرة الدنيا ، أم استغناء عن إكمال مسيرة الثواب والأجر الذي نالته طلية السنوات مع زوجها ، أم طلباً للحرية المزعومة التي يتغنى بها المرجفون والمنافقون ، واعجباه من زوجة تجاوزت الأربعين أو الخميسن ، وأولادها وبناتها ، بلغوا أعماراً مديدة ، وتطلب الخلع من زوجها ، أو تطالبه بالطلاق ، أين كانت ؛ طول تلك العشرة ، التي عاشتها معه بحلوها ومرّها ، وتأتي في ، منتصف الطريق ؛ تهدم ذلك الكيان ، وتنكر تلك العشرة ، وقد يكون هذا الطلب في فك الارتباط بلا سبب شرعي ، أين هي من حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم – عن ثوبان مولى رسول الله ( أيما امرأة سألت الطلاق من غير ما بأس لم ترح رائحة الجنة ) صححه الالباني ؛ صحيح الترغيب .
والمعنى: التحذير من طلب الطلاق من دون سبب شرعي .
البعض من الزوجات ، يرد على خواطرهنّ ، شبهٌ كثيرة ، وتصورات جسيمة ، ومثاليات يشاهدنها ، عبر وسائل الإعلام ، تظنّ الزوجة ، أن هذه هي الحياة الكريمة التي حُرمت منها طول تلك السنوات ، وأنها كيف صربت على هذا الحال كل هذه الفترة ، والشيطان يؤجج ، والنفس الأمارة بالسوء والهوى يحثان الخطى ، وبعض الجليسات والصويحبات يُهونّ المسألة ، وربما ، وصل بهنّ الحال ، إلى تأجيج الزوجة على زوجها ، وتخبيبها عليه ، برمي كلمة ( أنتِ في غنى عن الزوج ) ، عندك وظيفتك ، وأولادك ، وصديقاتك ، استمتعي بالحرية بقية عمرك ، تخرجين متى شئت ، وتسافرين ، بدون استئذان ، ولا سؤال ولا جواب ، ولا رقيب ولا حسيب ؛ ثم تخترق هذه الكلمات المسمومة ، سويداء القلب ،فتقع المسكينة ، في فخ الفرقة ، وكفر النعمة التي حباها الله بها ، وتتخذ قرار طلب الطلاق أو الخلع ؛ بدون تعقل وبدون استشارة من لديهم الرأي السديد ، وبدون تصور مستقبلي للربح والخسارة ، من جراء هذا القرار المصيري الأليم ؛ حتى لا تكلف نفسها ، أن تنظر ماذا حدث لمن خسرت بيتها وزوجها وكيانها ورفعتها ، ممن اتخذت مثل هذا القرار ، أو أنها تعرف ذلك لكنها تكابر وتتجاهل تلك الخسائر التي خسرتها ، أولئك المطلقات ،والمخلوعات ٠
أيتها الفاضلة ، والعاقلة ، إن كان عقلك حاضراً وقت الهمّ بالقرار ؛ عندما يخطر ببالك مثل هذه الشبه ، تعاملي مع الموقف ،بعدة أبعاد ، منها :
١- الانصاف لتلك الحياة الزوجية ، والعشرة الطويلة ، التي عشيتها في كنف هذه الأسرة ، وظل هذا الزوج الكريم .
٢- الأمر الشرعي الذي بَيَّن كيف تكون منزلة المرأة المسلمة التي تحافظ على بعلها وطاعته في المعروف
٣- القدوة الحسنة لبناتك وأولادك ، هل ترضين ، أن تنهج ابنتك نهجك مسقبلا ، فتهدم حياتها الأسرية بلا سبب شرعي
٤- الصبر والتحمل على كيان الأسرة والمحافظة على الزوج وطاعته في المعروف ؛ لنيل الدرجات العلى في الجنة
ففي الحديث عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال : رسول الله -صلى الله عليه وسلم ( إذا صَلَّتِ المرأةُ خَمْسَها، وصامَتْ شَهْرَها ، وحَصَّنَتْ فَرْجَها ، وأَطَاعَتْ بَعْلَها ؛ دخلَتْ من أَيِّ أبوابِ الجنةِ شاءَتْ ) حسنه الالباني ، صحيح الترغيب .
فيا أيتها الزوجة الفاضلة ، لا يغرّنًك ، الشيطان ، في سماع قول المرجفات ، والمخببات ، على الأزواج ؛ بانتقاد الحياة التي تعيشينها مع زوجك ، أو بانتقاص سيرته ووضعه المادي ، أو باحتقار وظيفته ومركزه الاجتماعي ، أو الطعن في ثقافته وفكره الذي لا يواكب التطور الحديث ، في الحرية المزعومة ، والانفتاح والمرونة ، في الذهاب والاياب ، بلا ضابط ولا استئذان ، كل هذا الطرح ، يؤثر على الفكر والنفسية ، فتحتقر الزوجة الوضع الذي تعيشه مع زوجها ، مما يجعلها ، تنسى كل النّعم الأخرى التي تعيشها ، وكل إنسان ، قدّر الله له وضعاً معيناً ، يعيش فيه ، مادام الضوابط الشرعية محققه في الحياة الزوجية .
لذا احذري مجالسة هؤلاء العينة من النسوة ، ولا تصادقين الا من يعينك على طاعة ربك ، ويساعدك على شكر النعمة التي تعيشينها ، مهما كانت قليلة كانت أو كثيرة ، ودائما ً الرضا بما قسم الله ، يريح القلب ، ويطمئن النفس ، ويجعل الانسان في قرب من الله ، بتقواه وصبره واحتساب الأجر والمثوبة منه سبحانه .
ولعل الواقع المؤلم الذي تعيشه ، كل امرأة وقعت في هذه القضية ، وفقدت مملكتها ( بيتها ) ، وزوجها ، واجتماع أولادها ، وأصبحت أسيرة ، في بيت أهلها ، أو وحيدة في بيت تتحمل كل تبعاته وهمومه ومشاكله ، أو غيرت البيئة بتجربة جديدة في زواج آخر ، تحتاج وقتاً طويلا للتتأقلم مع تلك البيئة ، مع توزيع الهم والغم بين الحاضر والماضي ؛ يجعل الزوجة تفكر ملياً ، وتحسب العواقب المترتبة على ذلك .
وعلى هذا فلا بد من التفكير العميق ، في مثل هذا القرار ( الانفصال ) والاستشارة المتأنية لذوي الخبرة والحكمة والرؤية الثاقبة ، والعقل المتزن ، وسماع نصيحة المشفقين الصادقين ، الذين يرجون الخير والاستقرار للأسرة المسلمة مهما عصفت بها العواصف ،أو هزًت بها الرياح ، فلكل مشكلة حلّ بإذن الله ، إذا صدقت النية ،وتعوذت النفس من الشيطان ، وتغافلت وتنازلت في سبيل المحافظة على ترابط الأسرة والصلح والاصلاح ( والصلح خير ) .
د. صلاح الشيخ
مقالات سابقة للكاتب