لقد اعتاد الناس حمل الورود أثناء المناسبات والأفراح وعند زيارة المرضى لما تحمل في طياتها من معاني جميلة كالبهجة وادخال السرور على الآخرين.
وحامل الورد أشبه مايكون بحامل المسك لما يكون لديه من حسن الكلام وطيب الرائحة ومن خلال هذه المقالة اكتب عدة نصائح بعبق الورود :
جُد لي بنصح أريجُ الورد مطلعه
يا ناثر الورد إن الورد ترياقي
وأنثر هذه النصائح امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم: “الدين النصيحة”.
فالمسلم الناصح في هذه الحياة يشبه الورد بخيره ودفئه ورائحته ويزرع بداخلنا ألف زهرة ويترك أثراً يملأ القلب بالحياة والروح بالبهجة.
الوردة الأولى: الإحسان:
وهو ما يُصنَع من معروف ويشاع من خير، للآخرين فضلًا ومحبَّةً.
فحمل الخير للناس كالورود ومن أعظم مايقدمه الإنسان لغيره فهو محبة تهدى للقلوب وصدق في المشاعر وأمانة في العطاء قال تعالى: ( أَثَابَهُمُ اللَّـهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ).
فنفع الناس والإحسان إليهم عبادة عظيمة والله جل جلاله أمر بالإحسان وأنه يجزي المحسنين ولا يضيع أجر من أحسن عملا .
أَحْسِنْ إِلَى النَّاسِ تَسْتَأْسِرْ قُلُوبَهُمُ
فَطَالَمَا اسْتَأْسَرَ الإِنْسَانَ إِحْسَانُ
********
وَكُنْ عَلَى الدَّهْرِ مِعْوَانًا لِذِي أَمَلٍ
يَرْجُو نَدَاكَ فَإِنَّ الْحُرَّ مِعْوَانُ
ومساعدة الناس والسَّعي في كشف كروبِهم من صفات الأنبياء والرُّسل؛ فالكريم يوسف – عليه السَّلام – مع ما فعله إخوتُه، جهَّزهم بجهازهم، ولَم يبخسهم شيئًا منه، وموسى – عليه السَّلام – لَمَّا ورد ماء مدين وجد عليه أمَّة من الناس يسقون، ووجد من دونهم امرأتين مستضعفتَيْن، رفع الحجر عن البئر، وسقى لهما، حتَّى رويت أغنامهما، وخديجة – رضي الله عنها – تقول في وصف نبيِّنا – صلَّى الله عليه وسلَّم -: “إنَّك لتَصِل الرَّحِم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحقِّ”.
الخير أبقى وإن طال الزمان به
والشر أخبث ما أوعيت من زاد
الوردة الثانية: خدمة الآخرين:
فإن خدمة الناس ومساعدتهم في متطلبات الحياة وتقديم يد العون لهم وإدخال الفرح والسرور على قلوبهم مما يزيد الألفة والمحبة والثقة فيما بينهم فإن ذلك مفتاح للخير ومغلاق للشر لقوله ﷺ (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا) .
ومساعدة الناس كالنبع الذي لا ينضب ويتجدد دائمًا ،لان تخفيف العبء عن كواهل الآخرين من حولنا من الأمور الرائعة التي تسهل أمرهم وتزيل عنهم الهم والحزن.
قال عليه افضل الصلاة واتم التسليم : ((من نفَّس عن مؤمنٍ كربة من كُرَب الدنيا نفَّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على مُعسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدُّنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبدُ في عون أخيه)) .
وأفضل الناس مابين الورى رجل
تقضي على يده للناس حاجاتُ
********
لا تمنعن يد المعروف عن أحد
مادمت مقتدرا فالسعد تاراتُ
الوردة الثالثة: القول الحسن:
بطيب بالكلام وحسن الملاطفة ويكون ذلك أشبه بالورود في الوانها ورائحتها الجميلة ، فالناس يحبون ويميلون إلى من يتلطف بهم بالقول الطيب اللين قال تعالى : {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} .
والله جل جلاله نبهنا إلى أننا إن عجزنا عن مساعدة كل الناس مساعدة عملية، فلا ينبغى أن نبخل عليهم بحسن المعاملة والقول الحسن وبذل النصيحة، قال الإمام البقاعى فى تفسيره: “ولما لم يكن وسعُ الناس عامة بالإحسان بالفعل ممكناً، أمر بِجَعل ذلك بالقول “.
وقد أمر الله عز وجل وأكد على إحسان القول للناس اجمع والدليل عليه أن موسى وهارون مع جلال قدرهما أُمِرا بالرفق واللين مع فرعون، لقوله تعالى : { فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا } .
فالكلام الطيب اللين يجمل مع الأصدقاء والأعداء جميعاً، وله ثماره الحسنة وظلاله الوارفة فهو مع الأصدقاء يحفظ مودتهم، ويستديم صداقتهم، قال علي رضي الله عنه “من لانت كلمته وجبت محبته “.
فالقول الحسن من علامات النبل والتحلي بمكارم الأخلاق:
ربي رفعت يدي أن تحفظ النبلا
من ينشر الحُسن بين القولِ والعملا
الوردة الرابعة: المواساة:
إن مواساة الآخرين عند الحزن والتخفيف عنهم من صنائع المعروف التي يحبها الله تعالى ، فالمسلم يحتاج من أخيه المسلم إذا نزلت به ضائقة أن يواسيه ويسليه ، ولقد ضرب نبينا محمد ﷺ المثل الأعلى والنموذج الأسمى والأوفى في ذلك ، ولا عجب فهو الذي وصفه ربه بقوله جل جلاله : { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ }.
لذا فقد حرص النبي ﷺ على مَدِ يد الرأفة والعطف ليمسح بها دمعة الباكي ويخفف بها حزنه ولكي يفتح باب الأمل لكل مصاب ويثبت كل مرتاب .
وَإِنَّ أَولى البَرايا أَن تُواسِيَهُ
عِندَ السُرورِ الَّذي واساكَ في الحَزَن
********
إِنَّ الكِرامَ إِذا ما أَسهَلوا ذَكَروا
مَن كانَ يَألَفُهُم في المَنزِلِ الخَشِنِ
الوردة الخامسة: زيارة المريض:
وهي من حق المسلم على أخيه المسلم عند المرض فيدعو له ويخفف عنه كما كان نبينا ﷺ يفعل فقد ثبت في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم : (خمس تجب للمسلم على أخيه المسلم : وذكر منها : عيادة المريض ). وفي لفظ : ( حق المسلم على المسلم ومنها وإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ ..).
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ : أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلا ) .
فيدعو له أثناء زيارته بالشفاء ثلاثاً , فقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وقال : ( اللهم اشف سعداً ، ثلاثاً ) .
ويستحب عيادة المريض يوم بعد آخر وأن لايكثر عليه الكلام محافظة على صحته وراحته:
عيادة المرء يوم بين يومين
وجلسة لك مثل الّلحظ بالعينِ
********
لا تبرمنّ مريضا في مساءلة
يكفيك من ذاك تسآل بحرفينِ
الوردة السادسة: صلة الرحم:
ومما يتقرب به إلى الله تعالى صلة الرحم لما لها من أجر وثواب عظيم في الدارين قال تعالى: ﴿ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ ﴾.
وعن عائشة_ رضي الله عنها_ قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرحم معلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله،ومن قطعني قطعه الله ) .
أخفض جناحك للقرابة وألقهم
بتوددٍ وأغفر لهم إن أذنبوا
*******
وصل الكرام فإن ظفرت بزلةٍ
فاصفح عنهم والتجاوزُ أقربُ
فهذه نصائح كتبتها بعبق الورود لعلها تجد قلباً تزهر وتضيئ به ثم تنير له الحياة من حوله وتكون سبباً في هدايته وتوفيقه.
منى الشعلان
مقالات سابقة للكاتب