إن من نعم الله تعالى وفضله علينا أن هيأ لنا مواسم عظيمة وأيام فاضلة ومن هذه المواسم ما أخبر عنه النبي ﷺ بأنها أفضل أيام الدنيا ألا وهي “عشر ذي الحجة” والتي أقسم الله تعالى بها فقال جل جلاله :{وَالْفَجْرِ (١) وَلَيَالٍ عَشْرٍ }٠
ما عظَّمَ اللهُ أياماً لها شرفٌ
كعشرِ ذي حجةٍ أعلى المقاماتِ
********
أحبُّ أعمالِ عبدٍ عند خالقهِ
في هذه العشرِ فاملأها بطاعاتِ
********
يارب فيها سويعاتٌ معظمةٌ
يوم الوقوفِ ويوم النَّحرِ بالذَّاتِ
تعد أيام هذا الموسم “عشر ذي الحجة” أفضل أيام الدنيا ففيها تتضاعف الحسنات إلى مرتبة الجهاد ، وقد حث النبي ﷺ على استغلالها بالأعمال الصالحة وبجهاد النفس ووصف العمل فيها بأنه أفضل من الجهاد في سبيل الله -تعالى – وذلك لما ثبت في الصحيح حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال : “ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيَّامِ العشرِ . قالوا : يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلَّا رجل خرج بنفسِه ومالِه فلم يرجِعْ من ذلك بشيءٍ “.
ومن أنواع الأعمال الصالحة المستحبة في “هذه العشر” المباركة:
🔸التوبة والإقلاع عن المعاصي : والعزم على عدم العودة إلى الذنوب وأن يعمل الإنسان على مجاهدة النفس على ذلك قال تعالى : “وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”.
خُذْ مِنْ شَبَابِكَ قَبْلَ الموتِ والهرَمِ
وَبَادِرْ التَّوْبَ قَبْلَ الفَوْتِ والنَّدَمِ
********
وَاعْلَمْ بِأنَّكَ مَجْزِيٌّ وَمُرْتَهَنٌ
وَرَاقِبِ اللهَ واحْذَرْ زَلَّةَ القَدَمِ
🔸التكبير والذكر : فإنها أفضل عبادة ب تقرب بها إلى الله عز وجل في هذه العشر قال جل جلاله :{ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } فيستحب الإكثار من التهليل وهو قول “لا اله الا الله” والتكبير وهو قول “الله أكبر” والتحميد وهو قول “الحمدلله” وهذا الذكر هو الباقيات الصالحات لقوله تعالى : { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ }.
وأكثر ذكره في الأرض دأباً
لتذكر في السماء إذا ذكرتا
🔸الصلاة : وينبغي للمسلم أن يحافظ عليها في كل وقت ويحرص على التبكير إليها والتوفيق في أدائها بإخلاص وخشوع والإكثار من النوافل والسجود لا سيما في هذه الأيام المباركة لحديث ثَوْبانَ رضي الله عنه – موْلى رسولِ اللَّهِ ﷺ – قَالَ: سمِعْتُ رسولَ اللَّه ﷺ يَقُولُ: “عليكَ بِكَثْرةِ السُّجُودِ، فإِنَّك لَنْ تَسْجُد للَّهِ سجْدةً إلاَّ رفَعكَ اللَّهُ بِهَا دَرجَةً، وحطَّ عنْكَ بِهَا خَطِيئَةً”٠
وسل من ربك التوفيق فيها
وأخلص في السؤال إذا سألتا
********
وناد إذا سجدت له اعترافاً
بما ناداه ذو النون بن متى
********
ولازم بابه قرعاً عساه
سيفتح بابه لك إن قرعتا
🔸الصيام في هذه الأيام: ويستحب الصيام في “هذه العشر” وهو من أفضل الأعمال لما ثبت في الحديث القدسي قال الله عز وجل: “كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي” .
قال الإمام النووي – رحمه الله – في «المنهاج» (٣٢٠/٨) : (صيامها مستحبٌ استحباباً شديداً).
فيستحب صيام هذه العشر عمومًا وصيام يوم عرفة خصوصًا ، فصوم يوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية ؛ لما ثبت من حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه: أنَّ رسول الله ﷺ “سُئل عن صوم يوم عرفة، فقال: يُكفِّر السنة الماضية والباقية “
🔸أداء الحج والعمرة : لمن استطاع إلى ذلك سبيلا وهو ركن الإسلام الخامس قال تعالى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا }.
والحج المبرور من أفضل الأعمال عند الله عز وجل وليس له جزاء إلا الجنة فقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم “سئل أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمانٌ بالله ، قال: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله ، قال: ثم ماذا؟ قال: حج مبرورٌ”.
والعمرة بعد العمرة تكفر الذنوب قال النبيُّ ﷺ : “العمرةُ إلى العمرة كفَّارةٌ لما بينهما، والحجُّ المبرور ليس له جزاء إلا الجنة”.
لبّيك ما شعرَ الأنامُ بغبطةٍ
نحوَ الحجيجِ وأمّلوا منكَ الكرمَ
********
لبّيكَ والقلبُ السجينُ بأضلُعي
يشتاقُ مكةَ والمآذنَ والحرمَ
🔸الدعاء : لقول الله تعالى :(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) وهو العبادة الحق وسلاح المؤمن والباب الألزم للمخلصين ففي الحديث : ” خير الدعاء دعاء يوم عرفة ..”والدعاء في يوم عرفة مظنةً للإجابة وقد ورد في فضل الدعاء يوم عرفة أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».
يا ربّ لُطفكَ إنّ الروحَ مُثقلةٌ
تكادُ تفقِدُ في الدُّنيا أمانيها
********
مرّت عليها رياحُ العُمرِ فانطفأَتْ
وأنتَ وحدكَ تُحييني وتُحييها
🔸التقرب الى الله بذبح الأضاحي : ويشرع في هذه الأيام المباركة ذبح (الأضحية) وتكون في يوم النحر وهذه سنة نبينا إبراهيم عليه السلام لما فيها من عظيم الأثر البالغ على الانسان في أمر دينه ودنياه لقول الله تعالى : { فصل لربك وانحر } .
🔸الإكثار من الأعمال الصالحة والتنويع في العبادات كما يلي:
🔹الصدقة : فهي تجارة لن تهلك ولن تبور قال تعالى : { الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }.
وقوله ﷺ (ما نقص مالٌ من صدقةٍ، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا ).
يا مَنْ تـَصَدَّقَ مالُ الله ِ تـَبْذلـُهُ
في أوجُـهِ الخير ِما لِلمال ِ نـُقصانُ
********
كـَمْ ضاعَفَ اللهُ مالا ً جادَ صاحِبُهُ
إنَّ السَخاءَ بـِحُـكـْم ِاللـهِ رضــوانُ
🔹قرآءة القرآن : ويستحب الإكثار من قراءة القران الكريم وخاصة في مثل هذه الايام المباركة لما يتحصل على ذلك من عظيم الأجر والثواب لقوله ﷺ ” من قرأ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ والحسنةُ بعشرِ أمثالِها لا أقولُ { ألم } حرفٌ ولكن ألفٌ حرفٌ ولامٌ حرفٌ وميمٌ حرف”.
وغيرها من الأعمال الصالحة والأفعال الفاضلة من بر الوالدين وصلة القرابة ونشر العلم والخير بين المسلمين والإحسان إلى الناس والتمسك بالأخلاق الحميدة والقيم النبيلة وسلامة الصدور وصفاء القلوب لما يترتب عليها من الأجر والثواب وعلو المنزلة ورفعة المكانة وعظيم القرب من ربنا جلت قدرته وتعالت أسماؤه وصفاته فالموفق من وفقه الله تعالى لاستثمار مثل هذه المواسم الخيّرة والأوقات الفاضلة حق الاستثمار .
منى الشعلان
مقالات سابقة للكاتب