وماذا غير الحج؟

إن المؤمن لا يتمالك نفسه إذا رأى قوافل حجاج بيت الله الحرام يربطون أمتعتهم إلى رحابه، أو يحطون رحالهم حول جنباته ، أو لمحهم في طريقهم إلى تلك البقاع الطاهرة جماعات وفرادى – لا يتمالك نفسه أن يأخذه الشوق، ويستولي عليه الحنين إلى تلك الشعيرة والمشاعر، وقد تقصر به قدراته المالية، أو البدنية، أو كلاهما عن أن ينضم إلى قوافلهم، ويظفر بنيل مناه في مرافقتهم، ومن توسعة الله على عبادة ورفع الحرج عنهم أن قيد سبحانه وجوب الحج بالاستطاعة، فقال: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين}، ولم يوجبه على المستطيع إلا مرة في العمر؛ رحمة بعباده، ورفعاً للحرج عنهم، ورتب على أدائه على الوجه المطلوب من عظيم الأجر ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ((ﻣﻦ ﺣﺞ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ، ﻓﻠﻢ ﻳﺮﻓﺚ، ﻭﻟﻢ ﻳﻔﺴﻖ ﺭﺟﻊ ﻛﻴﻮﻡ ﻭﻟﺪﺗﻪ ﺃﻣﻪ))(١)، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((اﻟﻌﻤﺮﺓ ﺇﻟﻰ اﻟﻌﻤﺮﺓ ﻛﻔﺎﺭﺓ ﻟﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ، ﻭاﻟﺤﺞ اﻟﻤﺒﺮﻭﺭ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺟﺰاء ﺇﻻ اﻟﺠﻨﺔ)).(٢)، وقوله صلى الله عليه وسلم عندما سئل: ﺃﻱ اﻷﻋﻤﺎﻝ ﺃﻓﻀﻞ؟ ﻗﺎﻝ: ((ﺇﻳﻤﺎﻥ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ)) ﻗﻴﻞ: ﺛﻢ ﻣﺎﺫا؟ ﻗﺎﻝ: ((ﺟﻬﺎﺩ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻠﻪ)) ﻗﻴﻞ: ﺛﻢ ﻣﺎﺫا؟ ﻗﺎﻝ: ((ﺣﺞ ﻣﺒﺮﻭﺭ))(٣)، وقوله صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما قالت له: “ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﺃﻻ ﻧﻐﺰﻭ ﻭﻧﺠﺎﻫﺪ ﻣﻌﻜﻢ؟ ﻓﻘﺎﻝ: ((ﻟﻜﻦ ﺃﺣﺴﻦ اﻟﺠﻬﺎﺩ ﻭﺃﺟﻤﻠﻪ اﻟﺤﺞ، ﺣﺞ ﻣﺒﺮﻭﺭ))(٤).

ومن ورحمة الله تعالى بعباده المؤمنين وتفضله عليهم أن عظَّم أجر العمل الصالح في أيام عشر ذي الحجة فشرع فيها من الأعمال الصالحة – التي لا يعجزون عنها، ولا تتطلب من الجهد والمال ما ليس في طاقتهم مما يتطلبه أداء الحج ، بل هي في متناول أي أحد منهم في أي بلد كان، شرع لهم من ذلك- ما يدركون به من عظيم الأجور ما تثقل به موازين حسناتهم وتكفر به سيآتهم، كما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ((ﻣﺎ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺃﻳﺎﻡ ﺃﻓﻀﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ؟)) ﻗﺎﻟﻮا: ﻭﻻ اﻟﺠﻬﺎﺩ؟ ﻗﺎﻝ: ((ﻭﻻ اﻟﺠﻬﺎﺩ، ﺇﻻ ﺭﺟﻞ ﺧﺮﺝ ﻳﺨﺎﻃﺮ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻭﻣﺎﻟﻪ، ﻓﻠﻢ ﻳﺮﺟﻊ ﺑﺸﻲء))(٥)، وقوله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن صوم يوم عرفة ﻓﻘﺎﻝ: ((ﻳﻜﻔﺮ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﻤﺎﺿﻴﺔ ﻭاﻟﺒﺎﻗﻴﺔ))(٦).

فليس على المؤمن إلّا أن يقبل على الله تعالى، ويصرف همته إلى اغتنام تلك الأيام بما يقدر عليه من صالح الأعمال، من ذكر، ودعاء، وتلاوة للقرآن، وإنفاق في الخير، وإحسان إلى الخلق بالقول والفعل، مع الضن بوقته أن يضيع في غير قربة، أو يمضي في غير طاعة، وليبشر بعظيم فضل الله أكرم الأكرمين، ورحمة أرحم الراحمين.

ومن أعظم ما يعين على ذلك سؤال العبد ربه الهداية والتوفيق، فاللهم اهدنا فيمن هديت، ووفقنا لما تحبه وترضاه، وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين.

 

✍🏻 محمد بن أحمد الأنصاري

________________
(١) صحيح البخاري الحديث:(١٨٢٠)، وصحيح مسلم الحديث (١٣٥٠).
(٢) صحيح البخاري الحديث:(١٧٧٣).(٣)صحيح البخاري حديث رقم: (١٥١٩).
(٤) صحيح البخاري الحديث: (١٨٦١). (٥)صحيح البخاري الحديث: (٩٦٩).
(٦) صحيح مسلم الحديث: (١١٦٢).

مقالات سابقة للكاتب

4 تعليق على “وماذا غير الحج؟

محمد إبراهيم الأنصاري

يا سائرين إلى البيت العتيق لقد .. سرتم جسوما وسرنا نحن أرواحا

إنا أقمنا على عذر وقد رحلوا .. ومن أقام على عذر كمن راحا .

اللهم اعتقنا ومن نحب ومن يحبنا من النار يارب .
سلم مداد قلمكم مولانا .

ابو عزوز

ما شاء الله
سلمت يمينك

أبوعبدالرحمن سمير بنداري

جزاكم الله خيرا وتقبل الله طاعتكم ونفع الله بكم

غير معروف

ماشاءالله حفظكم الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *