الوقت مورِدٌ ثمين إذا ذهب لا يعود، وإذا مضى لا يتجدّد وإذا انقضى لا يرجع. استغلاله مكسب وضياعه هدر وخسارة. ألَمْ يقُلْ رسولنا الكريم: “وعن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه”. حقائق بيِّنة وواضحة وجليّة في حثِّ الانسان على استثمار وقته وتوجيهه نحو استغلاله لحياة أفضل، ينفع به أمّته، ويأخذ بِيَد أسرته ويرتقي بمجتمعه نحو الاستفادة من الوقت فيما يعود بالنفع والفائدة في جميع تلك الجوانب.
تتجلّى أهمية الوقت في حياتنا، وأنّ إهداره خسارة وضياع من العمر الذي ينقص مع الأيام ولا يزيد، فكَمْ من إنسان حفظ للوقت قيمته وأهميته! فوضع أهدافه وخططه لاستثماره في جميع جوانب حياته حتى أصبحت جوانب مضيئة في حياته.
انظر كيف كان حال سلفنا الصالح في تعاملهم مع الوقت وحرصهم عليه واستثماره وإدارته، فكان ابن الجوزي -رحمه الله- إذا دخل عليه مَن يظن فيه تضييع وقته، كان يشغل نفسه بالقيام ببَرْيِ الأقلام، وقصّ الأوراق حتى لا يضيع وقته، وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: “ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزدَدْ فيه عملي”، كذلك قال ابن القيم -رحمه الله-: “إضاعة الوقت أشدّ من الموت؛ لأنَّ إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها”، وقال الحسن البصري: “لقد أدركت أقوامًا كانوا على أوقاتهم أشدَّ حرصًا منكم على أموالكم”.
إنَّ إدارة الوقت واستثماره تتجلّى في استشعار الإنسان لأهميته وأثره في حياته، فيبادر بالمحافظة عليه ولا يهدره فيما لا يعود عليه بالفائدة، بل إنّه يخطِّط ليومه من ناحية المهام والأولويات التي يرى ضرورة تنفيذها خلال يومه؛ لأنّها تشكِّل لديه قيمة يسعى لتحقيقها، فالتخطيط سمه المنتجين الفاعلين في استثمار الموارد التي يمتلكونها بكفاءة وفاعلية فتنعكس على حياتهم، فما بالك بالوقت الذي يحتاج الإنسان لاستغلاله وإدارته بكفاءة وفاعلية؟! فمعظم الموارد تتجدّد إلا الوقت إذا ذهب لا يعود وإذا نضب لا يرجع. حقيقة الوقت: “من حافظ عليه حقّق أهدافه”.
إنَّ سمة الأفراد المُنجِزين في حياتهم والمؤثِّرين في مجتمعهم والفاعِلين في التأثير والإنجازات، يحرصون على إدارة وقته ويديرون مهامهم وأولوياتهم بفاعليّة، فأصبحت إدارة وقته تبعًا لمهام الأولويات التي يحقّقها.
يتجلّى الشغف والإنجاز في الحياة بقدرة الأفراد على تحدّي إدارة وقتهم، والتميُّز في إنجاز المهام الموكلة لهم، فأصبح الزمن عاملًا مهمًّا وفاصلًا محوريًّا في الدقة في الإنجاز، ولكي تحقِّق الإدارة الفاعلة والاستثمار الأمثل الوقت، لا بدّ مِن جدولة المهام اليوميّة وتحديد وقت محدد لتنفيذها، والتخلّص من المشتّتات والمهام التي لا تعود على الأفراد بفائدة ولا تمثّل أولوية، وإعطاء الأولوية للمهام الرئيسة التي تمثِّل دورًا حيويًّا في حياتهم وتصنع إنجازًا مهمًّا يكون فارقًا في الحياة.
د. محمد حارب الشريف
مقالات سابقة للكاتب