جميعنا نتفق أن الألفة مرحلة عميقة من مراحل المحبة فمعناها المؤانسة والإنسجام ، ولكن هناك نوع غريب من الألفة مميت لصاحبه .
فقبل فترة من الزمن علقت في ذهني عبارة عجيبة سمعتها على لسان أحدهم في مقطع قصير على إحدى وسائل التواصل يقول فيه ناصحاً وموجهاً لمن يشاهده ( لا تألف الحرام ) فأصبحت أرددها بصوت مسموع ، حينها تزاحم في ذهني العديد من التساؤلات التي احتجت أن أعرف جواباً لها ، ومنها :
📌هل الروح فعلاً تألف الحرام وتصل فيه إلى مرحلة الانسجام بدون أي شعور بالخوف من الله أو اللوم ؟
📌هل أورد الله تعالى هذا النوع من الألفة في القرآن ؟
📌ما الأثر النفسي الذي تتركه هذه الألفة في النفس البشرية ؟
فحقيقةً أن الروح تألف الحرام فتحبه ، وتنسجم معه ، والسبب في ذلك هو كثرة اقترافها له ، فيألفها القلب فما يعود ينكرها، وما يعود يحس بتأنيب الضمير ولوم النفس ، وعندها تصاب مراكز الإحساس والتي تستشعر حرقة ألم الوقوع في الحرام بالمرض و الخلل .
قال أبو الحسن الزيات – رحمه الله – : (والله لا أبالي بكثرة المنكرات والبدع، وإنما أخاف من تأنيس القلب بها؛ لأن الأشياء إذا توالت مباشرتها أنست بها النفوس، وإذا أنست النفوس بشيء قل أن تتأثر به ) .
وقد ذكر الله تعالى في كتابه العزيز هذه “الألفة المميتة” بشكل غير مباشر واصفا اللغة الجسدية لقوم لوط المجرمين عندما علموا بوجود ضيوف عند نبي الله لوط عليه السلام ؛ فقال الله تعالى ( و جاء أهل المدينة يستبشرون .. ) .
عندما نتأمل وصف الله الدقيق للغة الجسد لهؤلاء المجرمين أنهم أتوا مستبشرين بشكل مريب حتى أن نبي الله لوط عليه السلام حاول أن يغير من حالتهم دون جدوى ، ونفهم أن السر في حالتهم تلك أن أرواحهم ألفت الفاحشة ووصلوا فيها إلى مرحلة من المحبة البغيضة والإنسجام المريض.
فأما الأثر النفسي لتلك “الألفة المميتة” ذكره الله عز وجل في قوله ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ).
هل تعلمون أن الران الذي ذكره الله في الأية الكريمة هو عبارة عن هرمون يوجد في الجسم تفرزه الخلايا على القلب عندما يألف الانسان الوقوع في المحرمات و يبتعد عن ذكر الله حيث يُكون غشاء عليه فيسبب الاكتئاب الحاد ، والضيق الشديد ، والحزن والكآبة.
لذا من ألفت روحه الحرام فهو إنسان سقيم القلب ، عليل الروح حتى لو أظهر السعادة فهو كاذب في تمثيله.
وقد جاء في الأثر ( ودت الزانية لو أن كل النساء زواني ).
هنا سيكولوجية نفسية تظهر في من ألفت أرواحهم الحرام فيتحولون إلى شياطين أنسية ، فهم يحاولون أن يجروا غيرهم إلى هذه الألفة “المميتة” ، والسبب في هذه السيكولوجية أن هؤلاء يمقتون الأطهار من الناس لأنهم يذكرونهم بمدى قذارتهم ، لذا فهم يتفننوا في تزيين الحرام لغيرهم ، فالكثير منا يلاحظ هذه السيكولوجية المريضة خاصة في وسائل التواصل ، مجتمع الأصدقاء .
أخيرًا :
أُلفة الحرام من أخطر أمراض القلوب ،
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله : ( فإن العبد لا يزال يرتكب الذنب حتى يهون عليه ويصغر في قلبه و ذلك علامة الهلاك ، فإن الذنب كلما صغُر في عين العبد عظُم عند الله).
لذا انتبه تألف روحك الحرام فتهلك ..
مها الجهني
مقالات سابقة للكاتب