في هذه الأيام نودع عامًا هجريًا بكل تفاصيله وأحداثه وأفراحه وأحزانه ؛ ونستقبل عامًا جديدًا مستبشراً ، وهكذا هي الأيام دول بين الناس قال تعالى : ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾.
ومع بداية هذا العام يستعد المسلم باستقباله ويفرح أن مد الله في أجله حتى يزداد في عبادته والتقرب إليه.
وخير مايستقبل به العام الجديد مايلي :
١- تجديد التوبة إلى الله عز وجل :لقوله تعالى : {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }.
وقول نبينا محمد ﷺ «إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة».
فحري بالمسلم أن يحرص على تجديد التوبة
فهي من أعظم الوظائف التي يعمد إليها المسلم في الأشهر الحرم على الإطلاق.
٢- الدعاء بالتوفيق والخير والسداد في هذا العام الجديد امتثال لقوله تعالى : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) فالدعاء سلاح المؤمن وخير مايبدأ به في عامه الجديد منذ إطلالة هلاله:
يا من يجيب دعا المضطرّ في الظلم
يا كاشف الضرّ والبلوى مع السقم
قد نام وفدُك حول البيت وانتبهوا
وأنتَ يا حيّ يا قيّومُ لم تنَمِ
إن كان جودكَ لا يرجوهُ ذو سفهٍ
فمن يجود على العاصين بالكرمِ
٣- التهنئة بالعام الجديد :
إن التهنئة مباحة لكونها من العادات وليست من العبادات وهي من مكارم الأخلاق التي اعتادها الناس فيما بينهم وقد أشار إلى ذلك فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في كتابه ( لقاء الباب المفتوح ) حيث قال: (( أرى أن بداية التهنئة في قدوم العام الجديد لا بأس بها ولكنها ليست مشروعة بمعنى: أننا لا نقول للناس: إنه يسن لكم أن يهنئ بعضكم بعضاً، لكن لو فعلوه فلا بأس، وإنما ينبغي له أيضاً إذا هنأه في العام الجديد أن يسأل الله له أن يكون عام خيرٍ وبركة فالإنسان يرد التهنئة.هذا الذي نراه في هذه المسألة، وهي من الأمور العادية وليست من الأمور التعبدية)).
وللتاريخِ والسَّنَةِ الجديدةْ
أُهنِّئكم بأعوامٍ مديدةْ
إلى الله العَلِيِّ لكم دعائي
يوفّقكم بأحوالٍ سعيدةْ
٤- صيام شهر محرم ويوم عاشوراء :
يشرع صيام شهر الله المحرم لما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال : “أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم”٠
والمعنى: أنه يصومه كله من أوله إلى آخره من أول يوم منه إلى نهايته، هذا معنى الحديث، ولكن يخص منه يوم التاسع والعاشر أو العاشر والحادي عشر لمن لم يصمه كله؛ فإن النبي ﷺ كان يصوم عاشوراء في الجاهلية وكانت تصومه قريش أيضًا، فلما قدم المدينة عليه الصلاة والسلام وجد اليهود يصومونه، فسألهم عن ذلك فقالوا: إنه يوم نجى الله فيه موسى وقومه، وأهلك فرعون وقومه، فصامه شكرًا لله صامه موسى شكرًا لله ونحن نصومه، فقال النبي ﷺ: “نحن أحق وأولى بـموسى منكم فصامه وأمر بصيامه “.
والسنة أن يصام قبله يوم أو بعده يوم؛ لما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: “صوموا يومًا قبله ويومًا بعده “، وفي لفظ آخر : “يومًا قبله أو يومًا بعده”.
٥- سلامة الصدر :
فالراحة الدنيوية تكمن في سلامة الصدر تجاه الآخرين وكذلك هي غنيمة أخروية ومن أسباب دخول الجنة.
فإن أمة الإسلام أمة صفاء ونقاء في العقيدة والعبادات والمعاملات وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عما يوغر الصدور ويبعث على الفرقة والشحناء، فقال صلى الله عليه وسلم: « لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث».
فسلامة الصدر مما يجب أن يتداركه المسلم مع عامه الجديد.
٦- التخطيط الشخصي :
ويتضمن التخطيط الشخصي التفكير في المستقبل، وتحديد ما تريد تحقيقه، والتفكير في الخطوات التي يمكنك اتخاذها للوصول إلى أهدافك ، والعناية بإدارة الأولويات ، لتحقيق الكثير من النجاحات والإنجازات.
٧- صلة الرحم :
وخير مايبدأ به المسلم مع إطلالة العام الهجري تفقد أقاربه وأرحامه والإحسان إليهم ؛ لما ثبت عن عائشة_ رضي الله عنها_ قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الرحم معلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله،ومن قطعني قطعه الله )).
وإن صلة الرحم سببٌ لكثرة الرزق وطول الأجل لما ثبت من حديث أنس رضي الله عنه : أن رسول الله ﷺ قال :
(( من أحب أن يبسطَ لَه في رزقه ، وينسأَ لَه في أثَره فليصل رحمه )) .
ومعنى (( ينسأ لَهُ في أثره )) أي: يؤخر له في أجله وعمره ويبارك له فيه.
٨- استذكار أهم الأحداث التاريخية :
فالتاريخ مليء بالحوادث والقصص والتي يمكن استذكارها مع بداية العام الهجري ومن أبرزها :
-قصة فرعون وسيدنا موسى عليه السلام :
ففي يوم العاشر من شهر الله المحرم نجى الله تعالى سيدنا موسى عليه السلام وقومه من فرعون وجنوده وقص علينا ذلك في قوله تعالى: { وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون }.
وإن من أعظم الدروس التي نستفيدها من قصة نجاة موسى عليه السلام هو حسن الظن بالله ، فموسى يعلم علم اليقين أنه سينجو من فرعون ومن معه .
-قصة الهجرة :
إن حلول العام الهجري لَيذكِّرُنا بحادثةِ الهجرة، وهي أعظم ذكرانا التاريخية الخالدة.
فإن الهجرة كانتْ مَوْلِد الدولة الإسلامية العظيمة، والتي أقامت حضارةً خيِّرة وَارِفَة الظلال، وأنهتْ عهد الظلم والشرك، وأقامت عهد العدالة والتوحيد.
يا هجرة المصطفى والعين باكيـةٌ
والدمـع يجـري غزيراً من مآقيها
يا هجرة المصطفى هيّجت ساكنةً
من الجوارح كــاد اليأس يطويهـا
هيجـت أشجاننا والله فانطـلقت
منا حناجرنا بالحـزن تأويهــا
هاجرت يا خير خلق الله قاطبــةً
من مكـــةً بعد ما زاد الأذى فيها
هاجرت لما رأيت الناس في ظلـم
وكنت بــدرا مـــنيراً في دياجيهـا
وعليه فينبغي على المسلم أن يفتتح عامه الهجري الجديد بتجديد النية والعهد مع الله سبحانه وتعالى بالعزيمة والتفاؤل والأمل .
اللهم اجعله عام خير ومحبة وسلام ، وأجعلها سنة شفاء لكل مريض وفرج لكل مهموم يا رب العالمين.
منى الشعلان
مقالات سابقة للكاتب