رؤية ٢٠٣٠.. استثمار العقول

مرَّت البشريّة بالعديد من التّحوّلات الجذريّة والتغيّرات العميقة في تاريخها، وخاصة فيما يتعلّق بالجوانب الاقتصاديّة؛ من عصر الزراعة إلى الصناعة والآلة البخاريّة حتى العصر الرقمي والاقتصاد المعرفي، حيث تعدّ المعرفة هي المحرِّك الاقتصادي لاستثمارها وتطويرها وتقويمها في إنتاج السلع، التي تلبّي حاجات الإنسان وتفي بمتطلّباته، فلم تعد الموارد الماديّة -بالرغم من أهميتها- تُقارَن باستثمار المعرفة وتطبيقاتها التي أصبحت تشكِّل جزءًا أساسيّاً من موارد الأفراد والدول، فرغم ما تمتلكه دول مثل اليابان وسويسرا وسنغافورة التي ليس لديها سوى قليل من الموارد الطبيعيّة‘ إلا أننا نجد اليابان أصبحت ثاني أقوى اقتصاد في العالم، وسويسرا وسنغافورة في قائمة أغنى دول العالم.

إنّ الاستثمار في العقول هو المورد الذي لا ينضَب من الأفكار الإبداعيّة التي لا تقدَّر بثمنٍ في قدرتها على بناء اقتصاد معرفي متين يقوم على الابتكار والإبداع؛ فهذا التحوّل تقوده رؤية المملكة ٢٠٣٠ من خلال مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر ووطن طموح يهدف لتوظيف المعرفة وتطبيقاتها في الاقتصاد والتحوّل نحوه، بدلًا من النفط وآثاره، الذي بات الاستغناء عنه في العقود القادِمة ضرورة حتميّة نتيجة للعديد من العوامل التي باتت تؤكد على أنّ الاستثمار في الإنسان والمعرفة هو المورد الثمين.

ويرتبط هذا التحوّل بتطوير أنظمة التعليم؛ سواء العام أم الجامعي الذي يوجَّه لتطوير إستراتيجيات التدريس، وكذلك برامج إعداد المعلم وتوجيهها نحو بناء المعرفة وتنمية مهارات التفكير الإبداعي والناقد، وإعداد البحوث من قبل الطلاب والرّجوع للمصادر التي من خلالها تُبنى المعرفة وتُنَمّى وتُنقَد، وفتح المجال للبحث العلمي وتشجيع الباحثين في مراكز بحثيّة هدفها تقويم المعرفة والابتكار من أجل خدمة المعرفة والبشريّة، وخلق الثّقة في المتعلِّم من خلال ما يقدِّمه وتقييم أعماله وتشجيعه من خلال الحوافز المادية والمعنويّة.

إنَّ الاستثمار في الإنسان يعدّ من أهم الموارد التي تعزِّز لدى الإنسان الكفاءة والفاعلية وتحقيقهما، وبناء قيم العمل والمحافظة عليها من أجل جودة المنتج والخدمة التي يقدِّمها، وهذا لا يتحقَّق إلا من خلال المهارات التي تعزِّز لديه بناء المعرفة وتقييمها حتى تتكامل من أجل الابتكار الذي يعدّ الإنسان اليوم من أهم مصادره، بما يملكه من قدرات ومواهب تعزِّز لديه ممكنات تجعله قادرًا على إيجاد القيمة المضافة والقدرة التنافسية في الإنتاج من خلال البحث العلمي، واستثمار مواهب وقدرات الإنسان.

إنّ ما يعزِّز كفاءة الإنسان وتنمية قدراته، واستثمار تلك القدرات وعَدّها رأس المال الحقيقي، هو من مُعزِّزات الاقتصاد المعرفي، فانطلقت الرؤية ٢٠٣٠ بالعديد من البرامج؛ منها: برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث كأحد المحطّات المهمة في تعزيز قدرات أبناء الوطن وتأهيلهم بالمهارات والمعرفة، ليخدموا دينهم ومليكهم ووطنهم، وهذا -بحدِّ ذاته- من العوامل التي تعزِّز قدرة المملكة على المنافسة من خلال تلك البرامج..

إنَّ رؤية ٢٠٣٠ تحمل في طيّات أهدافها تطوير الإنسان وتحسين مهاراته من خلال العديد من المبادرات التي تحقِّق ذلك، وهذه الإنجازات التي تحقَّقت في زمن قياسي والتطلّعات في تحقيق المزيد من الإنجازات، كانت بفضل الله ثم بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وبمتابعة وإشراف دائمين من سموّ سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله ورعاه.
دام عزّك يا وطن.

 

 

 

د. محمد حارب الشريف

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *