موقف عابر شدّ انتباهي بقوة وجعلني أفكر ملياً وأخرج بكتابة هذا المقال عزيزي القارئ ، هذا الموقف كان من عالم الطفولة وتجلياتها الغريبة والعجيبة في نفس الوقت، إبن أخي ذو الستة أعوام هذا الصباح جاء وقال لي “عمي عندي قصة ولكنها طويلة قليلاً وأريد أن أقصها عليكم جميعاً”.
فقلت له “تفضل يا حبيبي ” وكان يحضر هذا الموقف ثلاثة أطفال آخرين إثنان أكبر منه بسنتين والآخر في نفس عمره تقريباً، أحد هؤلاء الثلاثة هو أخو مانع الأكبر من بين الثلاثة الآخرين ، بدأ (مانع) أبن أخي الصغير يسرد قصته الخيالية الحالمة الجميلة والغريبة الأطوار فعلاً، منحت بكل حب مانع انتباهي وتركيزي بشكل متعمد وكنت أُحفِّزه وأشجعه حتى يتحدث بأريحية ويأخذ الدعم مني وتتسامى ثقته بنفسه شيئاً فشيئاً.
المفاجئ في الأمر أن الأطفال الثلاثة الآخرين بما فيهم أخوه فارس كانوا يضحكون من قصته الخيالية ويحاولون بضراوة تثبيطه وإفشال نجاح قصته بكل الطرق الممكنة وربما يرجع سبب هجومهم السلبي هو ما يشاهدونه في مواقع التواصل الاجتماعي من تنمُّر واستهزاء بالآخرين وما تقذفه التربية الخاطئة والبيئة المحيطة في المدرسة والشارع من عادات سيئة في طرق التعامل مع الآخرين وكنت أنا الوحيد في هذه المعادلة الذي أعطي مانع ( أكسجين النجاح والأمل ) ليواصل الحديث ويتغلب على الصعاب والسهام التي ترشق روحه الغضة من كل اتجاه من قبل الأطفال الثلاثة الآخرين وكان مانع يشتكي لي من قسوة الأطفال معه والسخرية المستمرة من قصته المضحكة أحياناً ولكنها كانت كل ما يملكه من خيال في هذا العمر.
وكنت إلى جانب اندهاشي الكبير أقول للأطفال الثلاثة محاولاً إيقاف هجومهم السلبي “لماذا تسخرون منه ؟!”.
وأردفت قائلاً لهم “إن مانع طفل مبادر ذكي وهو يقصّ لنا قصة جميلة وأنتم لم تفعلوا مثله رغم أنه أصغركم سناً؟! ” محاولاً بذلك إفساح المساحة ليكمل قصته الخيالية وبالفعل نجحت خطتي واستمر مانع في تكملة قصته حتى مع الضحك والهمز واللمز من قبل أقرانه الأطفال وكان يستمد الدعم الوحيد المستمر مني أنا فقط.
وخلصت من هذا الموقف إلى أن الأطفال وبدون أن يشعروا ربما يحطّم بعضهم بعضاً من خلال النقد السلبي الساخر وهذا التحطيم قد يأتي من الكبار أيضاً سواء كان ذلك عن عمد أو بدون وعي عندما يثبطون عزيمة الأطفال ويسخرون منهم ومن خيالهم الكبير في أي جانب فيستسلم الطفل للنقد السلبي والاستهزاء به وتموت البذرة الفتية الطرية في روح الطفل قبل أن تضرب بجذورها في الأرض وتصبح شجرة عظيمة تؤتى ثمارها الجميلة الطعم في المستقبل القريب لو أتيح لها أن تتنفس الصعداء وتُسقى تلك البذرة بماء الحب والاحتواء والتشجيع.
رسالتي لذاتي التي خلُصت بها من هذا الموقف ولك عزيزي القارئ ولروح مانع الجميلة البريئة هي “حتماً سنواجه من يشكك بقدراتنا وإمكاناتنا ، وسنجد من يستهزئ بنا ويطلق علينا الألقاب السوداء لإطفاء النور في أرواحنا وعقولنا وذواتنا ليجبروننا لأن نرفع راية الانهزام والاستسلام في وقت مبكر وظالم.
سنجد في هذه الحياة من يوجه لنا وبضراوة عدد كبير من اللكمات الروحية والنفسية الموجعة. ولكن تذكروا يارفاق بأنه لابد من أن نتحلى بالصلابة النفسية دائماً ونعلم أن هناك من يحبنا بصدق ومن يشجعنا ويدعمنا ويثق بنا طوال الطريق في الجانب الآخر حتى وإن كان هؤلاء العظماء نادرين وعزيزين إلا أنهم موجودون حتماً في هذا العالم الكبير.
فلنفتش ونبحث عنهم ولنلتفت جميعاً لهؤلاء الإيجابيين ونعطيهم أوقاتنا الثمينة ونمنحهم تركيزنا واهتمامنا ولنعرض بقوة عن أولئك السلبيين ولا نفكر فيهم حتى ولو مجرد التفكير.
فنجاحنا جميعاً ليس خاضعاً لآرائهم السلبية وليس تحت رهن إشارتهم وموافقتهم إنه ملك لنا ونحن من يختار ويقرر مواصلة مشوار النجاح في هذه الحياة من عدمه ، أتمنى أن أكون متواجداً معك يا حبيبي مانع على طول مشوار حياتك لأمنحك الحب والتشجيع والثقة فأنت تستحقها فعلاً.
( أحبك : عمك المخلص).
نوار بن دهري
[email protected]
مقالات سابقة للكاتب