لم يعُد أحد يستظلّ بظلّها وتطايرت أوراقها حتى تعرّت أغصانها، فعصفت بها الرّياح العاتية والعواصف السريعة من كلِّ جانب حتى أسقطتها على الأرض هامدةً، طوارق الليل اجتثّتها من الجذور، ليعيشوا على أغصانها التي احتاجت عشرات السنين حتى تكون شجرةً مثمرة وتُسعِد الإنسان.
ما أقساكَ أيّها الإنسان تجاه الشجرة! لأنّك تدمِّر البيئة التي تعيش فيها، فلو علمت بفوائدها للأرض والإنسان لحافظت عليها واهتممت بها. أين أنت من حديث النبي ﷺ: “إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَلْيَغْرِسْهَا”؟ أصبحت الشَّجرة تعاني من قسوة الإنسان تجاهها، وزيادة الفجوة بينها وبينه، الّتي اتّسعت لتُدمِّر البيئة التي تعيش فيها، فأثَّرت في حياة الإنسان؛ فالهواء ملوَّث والرِّياح عاتية والتصحّر قادم والنّباتات الضارة منتشرة، فكَثُرت الأمراض وساءت البيئة وقلَّ الأكسجين في الهواء حتى كثُرَت الملوِّثات البيئيّة؛ التي بدروها أثّرت في نموِّها وبهجة الحياة وسعادة الإنسان، فجاءت رؤية ٢٠٣٠ التي أعطت للشجرة قيمتها، واهتمّت بها، فأثمرَت وأعادت الحياة لها، وحافظت على وجودها من خلال مبادرات الرّؤية بقيادة واهتمام خادم الحرمين الشريفَيْن الملك سلمان بن عبد العزيز، ومتابعة كلّ تفاصيلها وأهدافها من سموّ سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
تعيش الشّجرة عصرها الذهبي من خلال مبادرة “السعودية الخضراء”؛ فمشروع “الرياض الخضراء” اهتمّ بزراعة سبعة ملايين شجرة، ومبادرة “نجعلها خضراء” مضمونها زراعة عشرة ملايين شجرة في مختلف مناطق المملكة، وكذلك مبادرة “السعوديّة الخضراء” بزراعة عشرة مليارات شجرة خلال العقود القادمة.
ولأهمية الشجرة والغطاء النباتي والمحافظة عليه، كان لا بدّ من إنشاء المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحّر، استشعارًا بأهميتها والمحافظة عليها، وكذلك الغطاء النباتي وتنميته والعناية به، والذي كان من أبرز مهامه حمايتها والاهتمام بها من خلال وضع مبادرات وبرامج ومشروعات تنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحّر، ومتابعة تنفيذها، وكذلك تطوير وحماية مناطق الغطاء النباتي بجميع بيئاته والموارد الوراثية النباتيّة، وأيضًا العمل على زيادة نسبة الغطاء النباتي في جميع مناطق التّنمية.
فإذا تأمّلت مسيرة الشَّجرة في المحافظة عليها والعناية بها خلال عقد من الزمن، ستجد الفارق واضحا وجليّاً، والبون شاسعًا بين شجرة مريضة خلال عقود من الزمن، تعرَّضت للتدمير، وبين شجرة سليمة تم حمايتها والمحافظة عليها والعناية بها، فعلى سبيل المثال: متنزّه جبلة الوطني؛ تلك الفياض الخضراء والرّياض الجميلة والمراتع الباسمة، التي تشرف عليها الإدارة العامة للمتنزهات الوطنيّة بالمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحّر؛ أحد مراكز التحول الوطني بوزارة البيئة، والذي كثّف جهوده في حماية الشجرة والغطاء النباتي من أيدي العابثين، فأحاطت بها جهود الإدارة العامة للمتنزّهات لتنمية الغطاء النباتي في المحافظة عليه وتنمية أشجاره وشجيراته وجميع نباتاته وحمايته من الاحتطاب والرّعي الجائر؛ كإحاطة السوار بالمعصم، فكانوا العين التي لم تغفَل عنه، إيمانًا بدورهم الوطني والبيئي في بقاء هذا المنتزه وأشجاره في أجمل صورة، فأسرَّتْ وأبهجت مَن قدِمَ إليه وتجشم عناء السفر من مختلف مناطق وطني المعطاء لزيارة تلك الفياض التي تسرّ النّاظرين من خلال اخضرار الأشجار وحمايتها.
تلك الجهود أفرحت الناس كثيراً وأدخلت السرور على نفوسهم والبهجة في قلوبهم، فالاخضرار لا يفارق نظرك؛ ففي أيّ اتجاه تجد مسطّحات خضراء وأشجارًا باسقة تسرّ النّاظرين، فالرّياح سكنت والعواصف هدأت والأرض زاد اخضرارها والشجرة بقيت سدّاً منيعًا أمام حركة الرّياح حتى ينعم الإنسان بجمال الطبيعة من خلال شجرة سليمة حُمِيَتْ ورُعِيَت لسعادة الإنسان في هذا العصر والعقود القادمة من أجل تنمية مستدامة، فتتكامل الحياة بين الشجرة والإنسان لعمارة الكون والمحافظة عليه.
ما أجملك يا وطني وأنت تحمي الشجرة لإسعاد الآخرين!
دام عزك يا وطني…
د. محمد حارب الشريف
مقالات سابقة للكاتب