الشيخ صالح .. الصابر المحتسب

🖋️لقد زرت بالأمس الشيخ الصابر والعم الوقور صالح الأنصاري والد أخينا الصحفي الأديب الأستاذ عبدالرحمن الصالح فرأيت منه العجب في صبره على ما ابتلاه الله به من فقد لبصره، من الانبساط في النفس وسعة الصدر..

فذكرته مواسيًا له وقتها بحديث أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: “إن الله عزوجل قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة، يريد عينيه”٠

فعظم الجزاء يكون لمن وقع له عظيم البلاء ، وإذا به هو من يذكرنا ويعطينا درسًا في الصبر على قضاء الله وقدره ؛ بطيب نفسه وكثرة حمده ، وشكره لله على نعمه الظاهرة والباطنة، ولسان حاله:

إنْ يأخُذِ اللَّهُ من عينيَّ نُورَهُما
ففِي لِسانِي وقلبي مِنْهُما نورُ

قلبي ذَكيٌّ وعَقلي غَيْرُ ذي دَخلٍ
وفي فمِي صارمٌ كالسَّيفِ مأثورُ

والفاقد لنعمة البصر ربما فاته الكثير من نعيم الدنيا ولذاتها ، فضلاً عن الافتقار إلى الناس في بعض شؤونه.
ومع ذلك نجده في صبره يتمثل قول الأول:

إن يُذهبِ اللهُ من عَينيَّ نورَهما
فإنّ قلبي بصيرٌ ما بهِ ضَررُ

أرى بقلبِيَ دُنيايَ وَآخرَتِي
وَالقلبُ يُدرِكُ ما لاَ يُدرِكُ البَصرُ

إن نعمة البصر من أجل نعم الله تعالى علينا ، ولا يعرف قيمتها إلا من أبتلي بفقدها .

وفاقد البصر مصيبته عظيمة جداً
لا يستطيع الإنسان أن يتصورها فضلًا عن أن يتعايش معها، وأقرب مثال إلى ذلك حال الناس إذا انطفأت عليهم الكهرباء فجأة في الليلة الظلماء كيف تكون حالهم من التخبط في الظلام، ويرون أن الأوقات تمضي عليهم من غير طائل، لا يستطيعون فيها رؤية شيء أو القيام بعمل شيء من مصالحهم الشخصية ؛ بينما هذا الذي فقد بصره هو هكذا في كل أحواله.

ولذلك وعد الله تعالى من أبتلي بفقد بصره وصبر ولم يجزع بالجزاء العظيم الأخروي وهو “الجنة”.

أما العوض في “الدنيا” : فقد لمست من عمنا الشيخ صالح أثناء زيارته ما عوضه الله به عن فقد بصره، من الانبساط وسعة النفس ما لا يوجد عند غيره، وسبحان من جعل فقد هذا البصر ينعكس على البصيرة ، بالفهم الثاقب ، والحافظة القوية ، والتمييز بما لا يوجد عند كثير من المبصرين.

وهذا أمر معروف بالتجربة فإنك لو سألت كثيرًا ممن فقدوا أبصارهم فستجد عندهم من الحس المرهف الذي يميز به بين كثير من الأشياء، ويميز به أيضاً بين الناس بالأصوات، ويميز بينهم حتى في قبضة اليد والملامسة، ولو بعد طول عهد ؛ ناهيك عن حفظ الأسماء والمواقف واستحضارها.
وهذا كله من لطف الله تعالى وكرمه على من ابتلي من عباده بفقد بصره.

وفي زيارة عمنا الشيخ صالح أدركت حرصه على أقاربه وإخوانه والسؤال عنهم والفرح بقدومهم لزيارته وسلامة صدره عليهم بلا استثناء ولسان حاله يقول لهم:

‏كُلّ الذين تربّعوا بقلوبنا
‏لن يَختفوا حتى وَلو فُقِدَ البَصرْ

وأدركت أيضاً عظم نعمة البصر التي رزقنا الله إياها قال تعالى: {قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون}.

وأخيراً أسأل الله تعالى أن يلطف بشيخنا وأن يطيل في عمره على طاعته، وأن يبارك له في وقته ، وأن يخلف عليه مافقده من بصره بقوة بصيرته وبحسن خاتمته وأن يجزيه على صبره في الدارين.

🔘إضاءة:

‏لكل نعمةٍ من الله شكرٌ خاصٌّ من جنسها، وأكمل شكرٍ لها إعمالها فيما يُرضي الله، فأكمل شكرٍ لنعمة البصر أن لا تبصر بها محرمًا وأن تستزيد بها من الحسنات، فإن قصَّرت في هذا وذهبت تشكر هذه النعمة باللسان فقط فلم تؤدِّ شكر النعمة على الوجه الأكمل.

 

 

خالد بن محمد الأنصاري

مقالات سابقة للكاتب

3 تعليق على “الشيخ صالح .. الصابر المحتسب

تفاؤل وأمل

سبحانه يعوض كل مبتلى ويعطي واذا أعطى ادهش بعطائه.
. جزاك الله خير الجزاء ونفع بكم.

هاجر

جزاك الله خير استاذنا على التذكير الدائم وعلى مواساتك للعم صالح الأنصاري فهنينا له وجمع له بين الأجر والصبر فمن رزق الشكر مع الصبر فقد رزق الخير كله وخاصة في وقت الابتلاء فهي نعمة
﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ﴾
فشكر النعم اثقل من الصبر على المصيبه لأن عمر النعمة طويل يستوجب شكرا ملازما لها والصبر فعمره قصير ينتهى بانتهاء المصيبه او انتهاء الأجل ويبقى الأجر والثواب بغير حساب كما قال تعالى : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ )

ابو مازن

الانسان لا يعرف قيمة النعمه حقيقتا الا اذا فقدها . نسأل الله ان يحفظنا ويديم علينا النعم والعافيه ويرزقنا شكرها ونسأله ان لايختبرنا بفقد اي نعمه من نعمه فنحن ضعفاء ولانستطيع التحمل .. رحمتك يارب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *