العلم.. القيمة والبخس!

أي ازدراء للعلم وأي ضعة من قدره وحط من منزلته وبخس لقيمته عندما يكون الغرض من الالتحاق بالمؤسسات التعليمية هو الرغبة في الحصول على شهادة منها قد تكون سبباً في أن يظفر الحاصل عليها بعمل قد لا يحسن القيام به ما لم يكن قد أخذ من العلم والتدريب والتأهيل ما يمكنه من ذلك، ورفع به من كفاءة عقله وسعة مداركه!
إن من الأبجديات المسلمة أن الإقبال على أي امر من الأمور والحرص عليه والسعي في تحصيله وتحمل المصاعب والمشاق في سبيله لا يكون إلا بعد معرفة حقيقية بقيمته وإدراك تام لمميزاته.

وما لم يعرف الطالب القيمة الحقيقية للعلم ويدرك قدره فإنه لن يتجاوز السعي لتحصيل الشهادة من المؤسسة التعليمية بشتى الوسائل التي قد لا يكون منها الحرص على تحصيل شيء من العلم الذي به تكون له ولشهاداته قيمة.

وما لم يعرف المعلم قيمة العلم وأهمية الرسالة التي يحملها والمسؤولية التي يتحملها فلن يتجاوز الطقوس الشكلية اليومية التي يكون قد أدى بها عمله في ظاهر الأمر وإن خلت من أي تعليم جاد أو تربية صادقة أو تهذيب ملموس.

عندما تكون الرسالة التي تصل إلى الطالب عن التعليم أنه وسيلة للوظيفة وتحصيل الأموال وتحقيق الأهداف المادية ثم يرى أن من اوفر الناس مالا وأكثرهم ثراء أشخاص لا نصيب لهم من العلم ولا من التعليم، ولم يتعنوا في مجاله، ولم يشكل شيئاً في حياتهم، ويرى من العلماء والمتعلمين من لا تتجاوز اموالهم قدر ما ينفقونه على احتياجاتهم الضرورية فإنه بلاشك لن يجد للتعليم قيمة تذكر، ولا للعلم منزلة تستحق الكد والاجتهاد.

اما إذا رسخ في عقل الطالب أن العلم قيمته تكمن فيه وفي ما يحدثه من بناء وتكوين للشخصية حتى يمتزج بها ويصبح عنصرا من عناصرها فإنه حينئذ لن يبخسه قيمته ولن يدخل في مقارنات خاطئة تزهده فيه، أو تحط من قدره عنده.

إن اول وأهم جهد يتعين على المعلم خاصة والمؤسسة التعليمية ثم المجتمع بذله هو غرس قيمة العلم في قلوب الطلاب وتقرير ذلك في نفوسهم، وبالأمثلة الواضحة، والشواهد الحية، التي لا تنكرها عقولهم، ولا تخطئها عيونهم، وتعهد ذلك الغرس بالسقي بين الفينة والأخرى، حتى ينمو ويثمر؛ فإن ذلك هو المحرك الوحيد لعزائمهم والمقاوم الصلب للصوارف والملهيات والمثبطات التي تتخطفهم من كل جانب.

ولن يوصل هذه الرسالة من لا يحملها في قلبه، ويعيشها في حياته، مهما قال، ومهما كتب، فحفظ النصوص في فضل العلم ومكانة العلماء، والقصائد المرصعة في هذا الباب، وإلقاؤها مهما كانت جودتها، وقوة معانيها، لن يؤثر ما لم يحملها قلب صادق، ولسان حال بالصدق ناطق.

وصلى الله وسلم على من بعثه الله معلماً للبشرية برسالة كان أول ما نزل منها {اقرأ باسم ربك الذي خلق} وعلى آله وصحبه ومعلمي الناس الخير إلى يوم الدين.

محمد بن أحمد الأنصاري

مقالات سابقة للكاتب

تعليق واحد على “العلم.. القيمة والبخس!

عمر بن طاهر الأنصري

مقال جميل مفيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *