السعادةُ مطلبُ كل إنسان، ينشدها الزوجان ؛ بغية الراحةِ والأمن ، والاستقرار ، فالزوج ، يستطيع ، بما وهبه الله من رجاحةِ عقل ، وحكمةِ رأي ،أن يصنع السعادة بداخل بيته ، وبين أسرته ، بأقل التكاليف ، وأيسر الطرق ، يمكنه ذلك ، إذا أسس بنيانَ بيته ،على أسس متينة ، وقواعد محكمة ، بداية يكون الأساس على تقوى الله تعالى ، وطاعته ، واتباع رسوله – صلى الله عليه وسلم – وأن يكون بيته ؛ حياً بذكر الله ، وتطبيق شرعه ، ومن المعلوم ، أن كلَّ بيت مهما بلغ من الكمال ، والصلاح ، فلابد أن تعتريه ، بعض المشاكل الناتجة عن اختلاف وجهات النظر ، بين الزوجين ، أو بُنيت على الشَّك والظَّنّ ، أو الاصغاء لوشاية قِيلت بقصد ، أو بدون قصد ، أو بأي سببٍ كان ، وحتى نحصر تمدد هذه المشاكل ، والتضييق عليها في زواية مصغرة؛ لتلافيها ، أو الحد من أثرها ، فهذه ثلاث مهارات تساعد على تلافي الكثير من المشكلات الأسرية ، وتسهم بشكل فعّال في الاستقرار والأمن الأسري :
أولا : التفاهم : إذا ساد التفاهم بين أفراد الأسرة ،وخاصة بين الزوجين ، سَلِم البيت من كثير من المشاكل الأسرية ، وضاقت دائرة الخلاف ، وأصبح الكلًُ يحترم رأي الآخر ،فالصغار يقدرون رأي الكبار ، والكلُّ يقف باحترام ، أمام رأي الوالدين ، والزوجة تعظّم رأي زوجها بين أولادها ، باعتباره ، هو القائد ، وهو السند لتماسك هذه الأسرة ، بعد الله تعالى ، وحتى نطبق لغة التفاهم بين الزوجين ،لابد من معرفة كليهما ؛ للغة الآخر ، فلغة الرجل تترجم أفكاره وطموحاته ، وتهدف للعمل والإنجاز، ولغة المرأة تترجم أحاسيسها ومشاعرها ، وتهدف للحب والاحترام.
ولذا لابد أن يعي الزوج ؛ أن المرأة تتكلم بعاطفتها، وتدرك الزوجة ؛ أن الرجل يتكلم بعقله ، وكل هذا ، الاختلاف يرجع الى طبيعة تكوين كل منهما ، والسبب الذي يؤدي إلى المشاكل بين الزوجين، هو عدم تفهم كل واحد منهما الآخر ، فجهل أحدهما بلغة الآخر يمنعه من الوصول إلى التفاهم ، وعلى هذا فإن من أهم مفاتيح التفاهم بين الزوجين هو الحوار .
ثانيا : الحوار الهادف : هذه المهارة ،التي فُقدت في كثير من البيوت ، أو سيئ استخدامها ، فزادت من المشاكل ، وأوغرت الصدور ، ونفرَّت القلوب ، وربما حصلت القطيعة ، لذا فإن الحوار سلاحٌ ذو حدين ، إما أن يؤتي أُكلَه ، إذا حَسُن استخدامه ، أو العكس ، وحتى نستفيد من هذه المهارة ( مهارة الحوار الهادف ) علينا بداية أن نعلم أن الحوار ليس تبريراً للموقف ، أو دفاعاً عن القضية ، أو انتقاماً ، أو غلبة ، أو أي اعتبار آخر ، إنما هو وسيلة يراد بها الوصول سوياً إلى نقطة اتفاق ، أو قريب منه ، لذا فإن الاحترام المتبادل بين الزوجين ، وتقبّل وجهات النظر ، والاستماع الجيد لما يطرحه المُحَاور ، والتفاعل معه ، وعدم التهكم ، أو التعيير ، أو المقاطعة لما يُقال ؛ هذه من أفضل السبل ،للارتياح النفسي بين الطرفين ،واستشعار الصدق للوصول إلى نقطة تفاهم ، ومما يفسد الحوار ، رفع الصوت ، والمقاطعة ، والغضب ، والكلام الجارح ، والاتهامات الظالمة ، ونبش الماضي السيئ ، والاحتقار والتصغير ، لكلام الطرف الآخر ، كل هذا ، يجعل الحوار عقيماً لا فائدة مرجوة منه ، ومما يجعل الصورة واضحة ، أثناء الحوار ،إعطاء الفرصة الكافية للمتحدث في التعبير عما يجول بخاطره ، لتكون الصورة كاملة واضحة بتفاصيلها ، وهذا يتطلب من السامع الانصات والتركيز حال الاستماع لأحداث القضية ، والسؤال عما يخفى بيانه ، وكم من قضية حوارية ، كان التوافق بينهم ، التفهم لما يُطرح من تفصيل حول المشكلة ، ومعرفة جوانبها ، ويجدر الاشارة إلى اختيار الوقت المناسب لفتح الحوار مع الآخر ، فليس من المناسب طلب الجلوس للحوار ، حال اشتداد أحداث المشكلة ، وحالة فوران الغضب ، واختيار المكان المناسب لعقد الحوار مطلب ، لان الزمن والمكان ، عاملان مساعدان ، لنجاحه ، ومما يضيف الى قرب التفاهم أثناء الحوار ، اختيار الكلمات المناسبة والثناء على الايجابيات من الطرف الآخر ، ومن الأفضل بداية ، وضع مرجعية للحوار في حالة الاختلاف ، ترضي الطرفين ، كل هذه المهارات مطلب في عقد أي حوار مع أي شخص .
ثالثا : التغافل : لا يخلو الانسان من نقص وقصور في تعامله مع الطرف الآخر ، لذا فإن التغافل في بعض المواقف مطلب ، فلا ينبغي من الزوجين التدقيق في كل شئ ، أو التنقيب عن كل أمر ، لأن هذا السلوك ، ينغّص عيشة الشخص ،ويكدّر صفو حياته ، وكأنه يبحث عن مشكلة بلا مشكلة ، أو الأمر ما يستاهل كل هذا البحث والتنقيب ، فعلى كل واحد من الزوجين تقبُّل الآخر كما هو، والتغاضي عما لا يعجبه فيه من صفات أو طبائع حتى لا تفتح حرب كلامية كل يوم أو كل أسبوع على شيء لا يستحق كل هذا ، كنسيان طلب ، أو زلة لسان، أو فعل خطأ غير مقصود ، فقد تنزعج المرأة من بعض تصرفات زوجها وهذا ما يدفعها لمعاتبته ولومه وتوجيه بعض الملاحظات له والتي من الممكن أن تكون بعبارات مزعجة ، ما يدفع الزوج للتذمّر من زوجته خاصة أنّ كثرة العتب واللوم والتأنيب تفقد روح المودة والتفاهم بينهما ، وفي المقابل قد يرى أو يسمع الزوج من زوجته بعض التصرفات المزعجة ،والتي تحدث في بعض المواقف الحياتية ، وقد تكون غير مقصوده بذاتها ، في أغلب الأحوال ، إنما هي نتيجة ، لضغوط الحياة ، وسرعان ما تلوم الزوجة نفسها وتقدم اعتذارها ، لذا ينبغي للزوج قبول ذلك الاعتذار ، وإن لم يحصل اعتذار ، فالتغافل عن ذلك التصرف هو المطلب ليكون البيت سعيداً .
د.صلاح محمد الشيخ
مستشار أسري وتربوي
مقالات سابقة للكاتب