نسمع ونرى حدوث نوع من النشوز والتمرد في الحياة الزوجية ، من قِبَل الزوجة لتعذر العشرة بينهما، أو بسبب طبيعة وحدّة المرأة ، وقد تكفّل الإسلام بعلاج هذه القضية ، وبيان مراحل علاجها ..
لكن السؤال :
هل يحدث نشوزٌ من الزوج ؟
نعم يحدث نشوزٌ من الزوج ، قال تعالى :
وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا …..)
وقد يكون نشوزُ الزوج أشدُّ خطراً على الأسرة وكيانها واستقرارها من نشوزُ الزوجة ، ذلك لأن الزوج له دور كبير ومؤثر داخل الأسرة فهو الراعي والموجه ، ونشوزه
يفقد القوامة على الأسرة ويفقد الأبناء القدوة التي يحاكونها.
ومن مظاهر نشوز الزوج :
قال ابن عادل قال الكَلْبِيُّ : نشوز الرَّجُل للزوجة : ترك مُجَامَعَتِها ، وإعراضُهُ بوجْهه عَنْها ، وقلة مُجَالَسَتِها )
كتاب تفسير اللباب
وذهب بعض أهل العلم ، أنً نشوز الرجل ، علامة من علامات الكراهة وطلب الفرقة، والزوج الناشز هو الذي يمنع عن زوجته حقوقها الشرعية ،أو يعتدي عليها بغير سبب.
إذاً لماذ يحصل النشوز من الزوج ، وغالباً هو من يبحث عن الأستقرار الأسري ، والرغبة في الإنجاب ، والسعي لأمن وأمان الأسرة ، هناك بعض الأسباب التي تستدعي نشوز الزوج من زوجته ، ولعل من أبرزها :
١- سوء عشرة الزوجة ، فبعض النساء تجدها ضاحكة مستبشرة مع أقاربها ، وزميلاتها، مقدرة لهم ، تفرح لمقابتهم بالابتسامة العريضة ، لكن إذا جاء الزوج ، اختفت كل تلك الأخلاق والمعاملة ، فظهر الإعراض ، وتولًد العبوس ، وكَثُر اللوم ، وزادت الطلبات ، وربما عصته في القول ، ومنعته نفسها ، وقصّرت في تلبية حاجته ، مما يجعله يكره تلك المعاملة ، ويستغرب لماذا زوجتي معي بوجه ، ومع أقاربها بوجه آخر .
٢- الجهل بإدارة بيتها ، الإدارة العاطفية فهي لا تُحْسن أن تجعل بيتها ، مأوى مريحاً لزوجها ، وسكناً آمناً ، يشعر فيه بالسعادة والراحة ، والاسترخاء العميق ، لذا تجده يبحث عن مكان مريح ، يتواصل مع أصدقائه للخروج ، هرباً من البيت ،بحثاً عن راحة البال ، وسعادة النفس ، وكان الأولى أن يجدها في داره ، مع زوجته وأولاده .
٣- صعوبة التفاهم والحوار الهادئ :
إذا كثرة الخلافات وزادت المشاكل وأعطيت أكبر من حجمها ، ولم تُنه في مهدها ، فَقدت لغة الحوار البناء ، وصعب التفاهم ، وإذا تقمّصت المرأة دور النًد للرجل ، ورفعت صوتها ، وحدّت نظراتها ، تمثل الشيطان بينهما ، ووصل الأمر إلى التهاجر والتقاطع ، وغابة المودة والرحمة وإن حصل حوار فهو حوار عقيم يقوم على المجادلة والمماراة والعتاب والصراخ والتحدي .
٤- الملل وعدم تجديد الحياة الزوجية :
بعض الأزراج ، زوجوا أولادهم وبناتهم ، وأصبح لهم أحفاد ، فنظروا للحياة أنهم قد كبروا ،ولا يصلح في هذا السنّ التجديد والتغيير ، فتجد الزوجة أهملت في أناقتها ولبسها، ودلعها لزوجها بحجة ( كبرنا على هذا ) فلا يرى الزوج أي تجديد في الحياة الزوجية ، إنما الروتين اليومي ، مشغولة بأولادها ووظيفتها إن كانت موظفة أو علاقاتها ، لا يرى تغييراً في لبس ، أو تجديداً في غرفة النوم ، ولا حتى كلام جميل ، كل ذلك الاحجام بدافع وشبهة ( راحت علينا ) إن صح التعبير ، لذا تعيش المرأة مستسلمة لهاجس أننا أصحنا أجدادا .
كل تلك الأسباب دافع قوي لنشوز الزوج من زوجته ومن بيته ، وهو يرى ويسمع عالم التجديد من زملائه ، أو من وسائل الإعلام ، فيتمنى أن يرى من شريكة حياته ذلك السلوك واقعاً في بيته، ولهذا فإن العلاج لهذه المشكلة يبنغي من الطرفين من الزوج والزوجة ، أما من قبل الزوج ، فعليه أن يفهم طبيعة المرأة من جوانب خَلْقية ، وخُلُقية ، وتغيرات فيسلوجية في بعض الأحيان ،فلا يأخذ كل قصور أو خطأ على اطلاقه ، إنما يعيش في توازن بين الايجابيات والسلبيات ، فالجانب الايجابي يعززه ، ليزداد عطاء ، والجانب السلبي ، يوجهه ويتغاضى فيما يمكن فيه التغافل ، حتى تسير السفينة إلى برّ الأمان ، وأما من جهة الزوجة ، فالعاقلة الذكية الفطنة المثقفة ، فعليها أن تكسب قلب زوجها ، وتقدره حق قدره ، بل تعتبره هو الأولى في حياتها من الاهتمام وتلبية حاجاته وادخال السرور عليه ، والسعى لكسب رضاه ؛ مهما كلّف الأمر .
وهذا هو الواجب الشرعي على الزوجة ابتغاء مرضاة الله .وعليها أن تجدد حياتها مع زوجها ، وليس عامل كبر السّن كما يتصور عائقاً على التجديد والتغيير للأفضل ، بل بالعكس يشعر الزوجان بهذا النهج بلذة الحياة وطعمها المتجدد.
وأختم بفائدة جملية موجهة للزوجة ذكرها ، ابن الجوزي – رحمه الله – حيث قال ( وينبغي للمرأة العاقلة إذا وجدت زوجًا صالحًا يلائمها، أن تجتهد في مرضاته، وتتجنب ما يؤذيه، فإنها متى آذته أو تعرضت لما يكره، أوجب ذلك ملالته، وبقي ذلك في نفسه، فربما وجد فرصته فتركها أو آثر غيرها، فإنه قد يجد ، وقد لا تجد هي …) .
كتاب أحكام النساء
لعلنا نسمع ونرى ما تقرّ به أعيون الأزواج من سعادة ومودة ورحمة ، وألفة وتعاون على البر والتقوى .
د.صلاح محمد الشيخ
مستشار أسري وتربوي
مقالات سابقة للكاتب