إن فهم طبيعة النفس البشرية وتقلباتها وتصرفاتها يعيننا على التعامل معها ، ومن المظاهر التي تزعج العقلاء من
الناس أن تلحظ من ( البعض ) كلاماً أو إشارة أو همزاً أو لمزاً تشعر بأن وراء ذلك نقصاً أو انتقاصاً من أحد لأحد !! .
وهذا (الانتقاص) يتنوع ويتشكل ويختلف فقد يكون من فرد لفرد أو من أسرة لأسرة أو من مدينة لأخرى بل من دولة لأخرى !!
وأشد ( الانتقاصات ) وأخطرها تلك التي تمس عقيدة الإنسان وهي انتقاصه ( لدين الله ) بأي همز او لمز او كلام يفهم منه ذلك.
وتلون هذا ( الانتقاص ) أحيانا يكون عبر ( نقد .. نقض ) حكم قامت الأدلة كلها بالاجماع على صحته وسنيته !!
ويتفرع من هذا (انتقاد) الصلاح الظاهر عند الناس وسلوكياتهم التي تعكس التمسك بالسنة النبوية.
( مع أني أشير إلى أهمية ان لا يفتح الإنسان بفعله او قوله او سلوكه او حكمه وفقهه .. بابا لانتقاص الشريعة الغراء).
وتكبر قضية الانتقاص حينما يعمم أولئك ( الناقصين ) الحكم على أسرة أو مدينة أو دولة بصفة أو سمة تشم منها عفن ( السخرية ) المقيته !!
وتجد ذلك عبر ( النكتة ) او خلال ( تجريح ) فرد أو اسرة خلال أحاديث الناس ( العابرة ) في مجالسهم المعتادة.
ووصم الجهل مع النقص يفوح حينما يمارس ذلك بقول او فعل او سلوك ..
( إنك امرؤ فيك جاهلية .. قالها المصطفى ﷺ لمن عير أحد الصحابة بلون أمه ) فكانت عبرة وعظة للبشرية بأن كل تعيير واستنقاص لشخص او لأمه وأبيه ومن فيه فإنما هي جاهلية حمقاء.
ويتضح ( الانتقاص ) بشكل آخر مع ذكر ( مدن او محافظات ) حيث تفوح رائحة ( التعنصر المقيت ) الذي يظهر من كلام بعض المتحدثين تقليلا من مكانة وسمعة ( البلد المقصود ).
وتزيد حدة (الانتقاص) حينما يشعر (الناقِص) بأن هذا الأمر او الشخص أو الأسرة او المدينة/ المحافَظة وكأنها تزاحمه على كرسي مسؤوليته .. !!
لا يمكن حد وحصر تشكلات الانتقاص فأحيانا تأتي على صيغة (مدح) في بدايته ثم ( سلخ ) في نهايته !!
والمعنيون بأمر (الفهم الاجتماعي) يدركون ذلك بشكل دقيق وعميق !!
وأعظم دواء لهذا الداء ( العضال ) هو نهي ربنا عن ذلك بشكل صريح يتجلى عظمة معناه بأن (المنتقَص) ربما يكون خيرا من ( المنتقِص) ..
ولاحظ دلالات الآية (لا يسخر قوم من قوم ) فهذه ظاهرة تعكس الانتقاص الجماعي (قوم) فقد يكون لدى مجموعة من الناس في مجلسهم او في ثقافتهم او في عقلياتهم هذا الداء العفن.
ثم خصت الآية شريحة تتداول ذلك كثيرا ( ولا نساء من نساء ) ومجالس النساء حدث مع (الحرج) من (الشذب) والنقد والسخرية والاستنقاص المشوب بالغيرة أحيانا وبالحسد احيانا وبالدعابة احيانا أخرى !!
والمشكلة أن تكون (ثقافة الاستنقاص) هي الفاكهة العفنة لمجالسنا.
ولذلك شددت السنة النبوية على حفظ الأعراض من السب والشتم في الحضور والغياب وجعلت ذلك من كبائر الذنوب.
ويؤكد علماء الاجتماع بأن ظاهرة ( ثقافة الاستنقاص) معول هدم لأهم مكونات المجتمع حيث تؤثر تأثيرا سلبيا كبيرا على لحمته ووحدته وانتماء أفراده وجماعاته لكيانهم الأهم الذي يظلهم جميعا ( دولتهم ) بل .. يشرخ أخوتهم
ويشق صفهم ويعيق الألفة فيما بينهم.
وتلك والله كافية لتأكيد حرمة هذا الداء الاجتماعي الخطير.
وأفرح كما انتم حينما يتم محاسبة من قال كلمة او قصيدة يذم فيها أحد مكونات مجتمعنا وجسدنا الاجتماعي.
وكلي قناعة كما أنتم بأن أي قول أو فعل فيه رائحة ( الاستنقاص ) فإنه يعكس (مركب النقص) لكل من كانت هذه صفته في حديثه ومواقفه وحواراته !!
وتأكيدا لمرضه .. ربما يشعر بانقباض في جسده وعسر في هضمه .. حينما تذكر حسنات الناس والأسر والمدن .. وتللك الانقباضات والتعسرات هي من الآثار الجانبية لمرض ( النقص).
ولا زال الناس بحاجة بعضهم لبعض على اختلاف ميولهم وتوجهاتهم واهتماماتهم ومن أين هم ؟ وإلى اين هم ؟
فنحن باجتماعنا ووحدة أمرنا كأسنان ( المشط) إذا تعالى او تكبر أحد على أحد فإنما يجرح الجسد الذي هو فيه أو ( يمر عليه ).
ويكفي أن ( احتقار ) المسلم لا يحتاج إلى زيادة إثم عليه .. لأن الاحتقار إثم عظيم كاف لبيان تسفل الإنسان.
وهنا جمال قول المصطفى ﷺ الذي أختم به عظيم خطر الأمر في توصيف هذا الداء العضال الذي سماه داء الأمم (بحسب امرء من الشر أن يحقر أخاه المسلم ) !! أي لا خطر أشد من ذلك.
حمانا ربنا من هذا الداء وجعلنا أحبة أوفياء فيما بيننا .. أخلاء نخدم بعضنا .. وتلك مزية الأقوياء.
أ.د خالد الشريدة
مقالات سابقة للكاتب