سنّةُ الحياة الكونية ، أن خَلَق الله لنا من أنفسنا أزواجاً ، لنسكن إليها ، وجعل بيننا مودة ورحمة ، إذاً الغاية من الحياة في هذا الكوكب الأرضي ، هي الراحة والسكن ،والحب والمودة والرحمة بين الزوجين ، مع توفر زينة الحياة من المال والبنين ، ووجود الأبوين ، و الأرحام والأقارب ،والاجتماع بالناس من الجيران والزملاء والأصدقاء ، كلّها عوامل مساعدة للأنس والسعادة ، إذا تُوّجِتْ بتقوى الله تعالى في كل التعامل والأخلاق ،
ولهذا ، فإن الزوج الصالح ، نعمة عظيمة على المرأة الصالحة ، فقد ارتبط بها ، وارتبطت به ؛ بميثاق غليظ ، وعهد وثيق ؛ وهو عقد النكاح ، فلكل واحدٍ من الزوجين حقوق وواجبات يجب على كل واحدٍ منهما القيام بها ، بموجب هذا العهد والميثاق ،
تعالوا بنا نناقش نظرة الزوجة لزوجها وماهو الهدف الأسمى الذي جعلها ترتبط به هذا الارتباط ، وماهي الغاية الكبرى من الصبر والتحمل في سبيل القيام بهذه الحقوق للزوج ، مع ما يصادفها من عقبات و إزعاجات ، و إشكالات ، تحتاج صبراً وتحملاً ، وتغافلاً وتسامحاً ، في سبيل المحافظة على الوِدً ، وعلى استمرار العشرة ، وعدم ضياع الأولاد ، والأمل في التعويض من الله تعالى أولا، ثم من برّ هؤلاء الأولاد في الدنيا ، والدعاء منهم والصدقة بعد الممات ،
أيتها الزوجة ؛ الصابرة القانتة ، الصالحة الحافظة لعرضها وحيائها ،
أبشرك ببشارة رسول الله- صلى الله عليه وسلم – وما أعظمها من بشارة ، وما أجلّها من وصية ، وهي تصدر من أفضل الخَلْق ، لنساء أمته – فهو الرحيم بهنّ – عليه الصلاة والسلام ؛
فعن عبد الرحمن بن عوف – رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا صلّت المرأة خمسها ، وصامت شهرها وحفظت فرجها ، وأطاعت زوجها ؛ قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت.رواه الإمام أحمد وحسنه الالباني[صحيح الترغيب]
فانظري إلى هذه الوصايا ، التي فيها نجاتك ، واختيارك للدخول من أي أبواب الجنة شئت . وهذا هو المطلب للمرأة المسلمة ، العابدة القانتة ،
فإذا أردت تقييم تعاملك مع هذه الوصايا، فاعرضي نفسكِ عليهنً ، وانظري !
مامدى تطيبقك لها ؟
قد تقول قائلة بحمد الله مصلّية ، صائمة ، حافظة لعرضي ، ماني مقصرة في حق زوجي ، هنا نريد أن نقف عند طاعة الزوج ، الصلاة والصوم والحياء والحفظ معروفة ومعاييرها واضحة ، لكن ماهو معيار طاعة الزوج ، وهل فعلا أنت طائعة لزوجك ؛كما أمرك الشرع بذلك ، ليكون هذا الزوج سبباً لكِ في قرع أبواب الجنة الثمانية
هنا الابتلاء والامتحان ، هنا الاختبار الدنيوي تجاه الزوج وطاعته ، في المعروف .
اسألي نفسك ، في جلسة تأمّل ، ومحاسبة مع النفس ، هل يبيت زوجي وهو راضٍ عني ، غفرانك ربي !
كم مرة أغضبته ، وكم مرة رفعت صوتي عليه ، وكم مرة نظرت له باحتقار واستهزاء ، وكم مرة أمرني وعصيته، وكم مرة نظرت له بدونية ، وكم ..وكم … وكم
وقد يرد سؤالاً ، حال التأمّل :
لماذا لم يُذكر طاعة الأب ، أو الأم في هذا الحديث ؟،
لماذا ركز على طاعة الزوج ؟
الشرع لا يأمر بأمر إلا وفيه مصلحة ، ولا ينهى عن أمر إلا وفيه مفسدة ،
ولنعلم أن الزوج بعد عقد النكاح ، يكون أقرب للزوجة ، من أبيها وأمها و إخوانها
قال تعالى ( هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسُ لهنّ ) بالستر، أي هن سترٌ لكم وأنتم سترٌ لهن، لأن كلا الزوجين يستر صاحبه ويمنعه من الفجور ويغنيه عن الحرام، والعرب تكني عن الأهل بالستر واللباس والثوب والإزار.
وقال بعضهم: هن فراش لكم وأنتم لحاف لهنّ ) فهل هناك شخص أقرب وأولى بالزوجة من الزوج ،
رحماك ربي ، كم ، من الزوجات مقصرات في الاهتمام والطاعة لأزواجهنّ ،
لذلك طاعة الزوج في المعروف ، هي عبادة لله تعالى بتنفيذ ما أوجبه تجاه حقوق الزوج ، وفي المقابل ؛ ينبغي للزوج أن تكون عشرته في المعروف ، وأوامره في حدود الشرع ، ولا يأمر بمعصية ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : ” لا طاعة لمخلوق في معصية الله عز وجل ) رواه الإمام أحمد .
أيتها الزوجة الفاضلة :
زَوجك خط أحمر ، في المساس به ، من عيب أو انتقاص من قدره ، أو انتقاد في شخصيته أو أسلوبه ، مهما رأيت منه جوانب مزعجة أو مكروهة ، ولا تسمحين لأحد أياً كان أن يتحدث عن زوجك على وجه النقص والإزدراء في أسلوبه أو أخلاقه ، ولتحذري أنتِ أيضاً من إفشاء أسرار وأخلاق زوجك أمام الزميلات والصديقات والأقارب مهما كانت ، فالجوانب الإيجابية فيه أضعاف أضعاف ما يعتري الشخص من نقص ، واحذري أيضاً ، كل مخبب أو مخببة ، يسعيان للتأثير على علاقتكما ببعض ، بغرض الإفساد ، فإن كل من يسعى بهذا الأسلوب في التفريق بين الزوج وزوجته ، فقد جاء الوعيد ، في حقهما فعن أبي هريرة – رضي الله عنه قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ليس منًا من خبب امرأة على زوجها أو عبداً على سيده “.رواه أبو داوود وصححه الألباني .
وصور التخبيب عديدة ، وربما البعض ما ينتبه أنها نوع من أنواع التخبيب ، بشكل غير مباشر ، ومن أشدها مكراً من يلبس ثوب الناصح المشفق المتعاطف ، مثلاً يقول : للزوجة أنتِ تستحقين أكثر من هذا ،ومقامكِ أرفع، ولو كنتِ عندي لأعطيتك وأكرمتك، أكثر ، ويحتقر ما يقدَّم لها من خير، في بيتها ومن زوجها ، بعبارات ، توحي أنها مسكينة، ومغلوب على أمرها ، أو أنها أسيرة مغلق عليها ، وليس لها حرية الانطلاق والذهاب والإياب ، أو يقارنها بفلانة، التي آخذة حريتها في الخروج ، وعدم السؤال متى ذهبت أو رجعت ، وأن زوجها ، منفتح للحياة ، ومتحضر ، ومثقف يعرف كيف يرضي طموح المرأة ، وهكذا تُلقى مثل هذه الكلمات التخبيبية ؛ فيبدأ قلب المخبَّبِ به – الزوجة – بالغليان، ثم الغيظ على زوجها فتنقلب عليه ؛ بغضاً وذماً ، بعدما كانت تُكبره وتعظمه وتُكنُّ له الاحترام والتقدير, وهكذا ينجح شيطان الإنس في فك العلاقة بين الطرفين ،
والصور كثيرة ، من هذا النوع ، فلتنتبه ، الزوجة من المكر المبطنْ ،وكم من ضحية وقعت في شباك هؤلاء المفسدين ، ثم ندمت أشد الندم ،
ولتعلم المرأة حقيقة ، أن كل من أفسد زوجة على زوجها ، وحصل الانفصال ووعدها بالزواج والتعويض ، ففي الغالب توضح المؤشرات ، أنه غير صادق في قرارة نفسه ، إنما أراد الاستمتاع بها ، وإن حصل زواج ، فهو مؤقت ليشبع شهوته ثم يرميها بلا حسافة ولا ندم ، لأنه عرف سيرتها ابتداء ، ويتوقع أن تعيد الكرة من رجل آخر .
نسأل الله العافية والستر .
د.صلاح محمد الشيخ
مستشار أسري وتربوي