من أعظم القلاع التي يهتم بها المسلم ، قلعة البيت ، فهو المأوى ، والسكن ، والأمن والأمان ،فيه مأكلُه ومشربُه ، فيه يتربى الأبناء ، فيه يرتاح من عناء العمل ،فيه الذّكر ، والطاعة ، والصبر والمصابرة..
لاغنى للإنسان عن بيتٍ يأوي إليه ، وسورٍ له باب ، يغلقُه وقت راحته ، وانسجامه ، لكن هذه القلعة ، وهذا الحصن ، الذي يضم الزوجين ، والذرية من البنين والبنات ، يحتاج إلى حماية ، ودفاعٍ ، وحراسة ، حتى لا تخترقه الأهواء ، ولا يقربه الأعداء ، فمن هذا الحارس الأمين ، والمدافع الشجاع ، والمراقب الفطن ، الذي يحميه ويدافع عنه ..
إنها الزوجة ، أم الأولاد ، التي أؤتمنت على بيت زوجها ، ورعاية أولادها فهي تتعبد الله بحمل هذه المسؤولية ، وأداء هذه الأمانة ، فقد جاء في الحديث المتفق عليه
( والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ زوجها وولدِه فكلُّكم راعٍ، كلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه )،أي شرف تناله هذه الزوجة الكريمة ، وهذه الأم الحنونة ، وقد حوى بطنها ، وحملت يداها ، وأفنت شبابها ، حتى تخرج على يديها ، العلماء والرؤساء والأطباء والمهندسون ، والجنود الأبطال ..
أي عزة هذه ، وقد أنجبت ، أولئك الفتيات المسلمات ، الصالحات القانتات ، اللاتي ، تخرجن من مدرستها ، في الأدب والحشمة والحياء ،فربَين ، الأجيال ، وسُرن على خطى الأمهات ،في ترسيخ ، عظمة الله وطاعته ، واتباع هدي رسوله – صلى الله عليه وسلم – في تربية أولادهنّ وبناتهنّ ، فحصل لهنّ من الأجر ، مثل ما فعلوا من الأعمال الصالحة ، والسِيَر العطرة ، والذَّكر الجميل..
لكن لتعلمي أيتها الحارسة الأمينة ، والفطنة الذكية ، أن أعداء الدين والعقيدة ، وأهل الزيغ والفساد ، والأهواء والانحراف ، يتربصون بك الدوائر ، لأي ثغرة ومدخل إلى قلعتك ، من أجل إفسادها ، وزعزعة أركانها ، فأول ما يستهدفون ، خط الدفاع الأول ، وهو أنتِ ، نعم أول محاولة لهم استهدافك أنتِ ، فإن استطاعوا هزيمتك ، فما بعدك ، سهل المنال ، لا يكلًف عناءً كبيراً ، لأنهم يدركون أنَّ ، من تعولين وترعين ، يقتدون بك ، ويحاكون منهجك وتصرفاتك ، وأخلاقك ، فهم لك ِ تبعاً ، إن أحسنت أحسنوا ، وإن أسأتِ أساؤا ..
هل أدركت أيتها المصونة ، ماهو سلاح الأعداء الذي يستهدفونك به ، ويستهدفون قلعتك ، تُرى أهو ؛ دبابة أم مدفع ، أم رشاش وصاروخ ، أم بندقية وقنبلة يدوية ، لا يا عزيزتي ؛ هذه الأسلحة لم تنفع في زعزعة المسلم عن دينه وعقيدته وأخلاقه ، بل زادته صلابة وقوة ، ودفاعاً وجهاداً ، وحباً للشهادة والجنّة ..
إنَّ السلاح الحديث ، الذي يستخدمه الأعداء الآن ، سلاح الغزو الفكري ، سلاح الشهوة المحرمة ، سلاح الحرية المطلقة بلا ضابط ، سلاح تغيير المفاهيم ، سلاح التنازل عن المبادئ والعقيدة ، سلاح السعي لانسلاخ المسلم من دينه ، حتى يصبح مجرد اسم (مسلم ) بلا عقيدة صحيحة ، ولا مبادئ أخلاقية أصيلة ، تابعاً لهوى نفسه ، وشهوة جسده ، بعيداً عن دينه وأخلاقه ، يسعون لتربية النشئ على هذا ؛ حتى إذا كَبُروا ، فعقولهم خاوية ، وأبصارهم لاتعتبر ، وأسماعهم لا تعي ، فيكونوا مجرد أجساد ، تمرح وتلعب وتلهو وتأكل وتشرب كالأنعام ، حتى أننا نرى البعض من الشباب ، والفتيات وربما من تزوج ؛ منهم ؛ ولديه أسرة ، وهو لا يقيم للدين وزنا ، ولا للصلاة قيمة ، ولا للقرآن قدرا ، فلتنتبهي أيتها المسلمة الفاضلة ، يا حفيدة عائشة وفاطمة ، من هذه الثغور التي تخترق قلعة بيتك ،ولا يغرّكِ كثرة الهالكين ، ولا إرجاف المرجفين ،فإنهم لن يغنوا عنك شيئاً ،فكم من القلاع ، تنازل حرّاسُها ، فداهنوا وجاملوا ، وتخلوا عن دينهم وأخلاقهم ومبادئهم ، وتركوا الحبل على الغارب ، فأصبحوا الشباب والفتيات ، يهيمون في الغفلة ، ويرتكبون الموبقات باسم الحرية ، والحضارة والتقدم ، والمدنية ، وأصبحت العائلة في تفكك ، وضياع ، ومشاكل ونكبات ، لأنّهم ؛ كفروا بأنعم الله تعالى ، وحادوا عن طريق الهداية والاستقامة ، وانتهكوا حدود الله ، فكان عاقبة أمرهم وأحوالهم خسرا ، تمسكي، أيتها المصونة ، بدينكِ وعقيدتك ، ومبادئك وأخلاقك الإسلامية ، وربي عليها من ترعين ،وتعولين ، واصبري وصابري ، ورابطي ؛ واتقي الله ؛ فإن فلاحك وفلاح أبنائك في هذا ..
أسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يحفظ علينا ديننا وعقيدتنا ومبادئنا ، وأن يكفينا وأولادنا شرّ الفتن ماظهر منها وما بطن .
د.صلاح محمد الشيخ
مستشار أسري وتربوي