التربية العاطفية للأبناء

إن تربية الأبناء عملية شاقة و معقدة جداً تحمل في طياتها عدة جوانب كما أنها أساس التنشئة الاجتماعية ، و بما أن الفرد جزء من المجتمع إذا نشأ على أساس خاطئ سيؤدي لبناء مجتمع غير سوي .

فالعديد من الأسر قد تأبه بإشباع سائر الجوانب غافلين بأهمية الجانب العاطفي ، و حين نتحدث عن الجانب العاطفي لا يُشير بالضرورة إلى معاملة الآباء أبنائهم بعنف و قسوة ، و لكن يكمن في امتناع الوالدين الإفصاح عن شعورهم تجاه أبنائهم عن طريق الكلام أو الأفعال سواء كان امتناعهم بقصد أو بغفلة ، ظناً منهم أن الإشباع العاطفي ليسَ بتلك الأهمية و إشباع الاحتياجات البيولوجية و الاقتصادية و غيرها يُغني عن ذلك ، و قد أوضح “ماسلو” في هرم الاحتياجات الإنسانية أن الحاجة للأمان تأتي في المرتبة الثانية ، لذا هو شعور فطري فنلاحظ الأم مفطورة على الشعور بالحُب تجاه أبنائها من الولادة فمنذ خروج الطفل للحياة تقوم الأم باحتضانه لِتشعرهُ بالأمان .

و لكن العادات و التقاليد لعبت دوراً كبيراً في إهمال الكثير من الأسر للجانب العاطفي ، كاعتقاد الآباء أن إظهارهم لعواطفهم يُقلل من وقارهم في نفوس الأبناء ، و واجبهم يرتكز فقط على كونهم مصدراً للتوجيه و الوعظ ( و افعل كذا و لا تفعل كذا ) ، و ذلك غير منطقي ! فخير أسوة لنا هو الرسول (ص) حيث كان المربي الواعظ و العطوف فقد كان يحنو على الحسن و الحسين و يلاعبهم و في حديثه الشريف ” من كان له صبي فليتصابَ له ” أي فليلاعبه ، و عنه ” إن اللّه ليرحم العبد لشدة حبه لولده “.

أيضاً قد يتصرف الآباء مع أبنائهم بقسوة و عطف في آن واحد ، فعلى سبيل المثال : اتباع أسلوب الضرب المبرح و توظيف المشاعر في التعبير اللفظي بالحُب و المودة ، و ذلك يُحدث انفصاماً في شخصية الطفل و فجوة بينه و بين والديه ، فقد أثبتت الدراسات أن الضرب يؤدي إلى تكسر الروابط بين الآباء و الأبناء و أن العقاب الجسدي يؤدي إلى توتر العلاقة بين الأسرة و تصبح أقل عُمقاً و دفئاً .

كما أن بعض الأسر تواجه عائقاً في إبدائها للعاطفة و إيصال شعورهم بأي شكل من الأشكال ، لإيمانهم أن الإشباع العاطفي للطفل ينبغي فقط في ( المراحل الأولى من عمره) ، و بعد ذلك لا ينبغي الإشباع إلا في علاقته الزوجية مستقبلاً ، لذلك يتحاشى أفراد الأسرة عناق أو تقبيل بعضهم في الظروف المعتادة و لا يتسنى لهم ذلك إلا في الظروف المستعصية مثل حالات الوفاة .

فضلاً عن ذلك قد يؤدي الآباء أدوارهم بمثالية و على أتم وجه ، لكنهم لا يُحسنوا منح القليل من وقتهم في الاستماع لشؤون أبنائهم و سؤالهم عن أحوالهم ، و إذا لقي الشخص فرصة للإفصاح عما بداخله يُلقون عليه اللوم و يوبخونه ، لإيمانهم أنه السبب بوقوع المشكلة و ما كان يقتضي عليه اقتراف الأخطاء مُطلقاً ، بدلاً من احتوائه و مد يد العون له في فض المشكلة ، و بناءً على ذلك يُرغم الشخص على انتخاب الخيارات الخاطئة و الأشخاص الغرباء ؛ من خلال منحهم فرصة للاستماع له و الإفصاح عن شعوره بحُرية ، أو من خلال كلمة قيلت له بعطف و ذلك يؤدي لتعلقه الشديد به و العيش في قلق مستمر خشية أن يخذله في منتصف الطريق ، فلماذا يسمح الآباء للغرباء بتقمص مكانتهم و هم أولى و أحق بها .

بالإضافة إلى ذلك يرتبط الجانب العاطفي ارتباطاً مباشراً بالجانب الديني و مفهوم الطفل لله ، فقد أثبتت الدراسات أن معاملة الآباء لأطفالهم إذا كانت مبنية على الحُب و المودة يكون لدى الطفل إلتزام ديني أكثر من الطفل الذي تتسم بيئته بالعنف و القسوة .

لذا فإن إهمال الجانب العاطفي تترتب عليه عواقب وخيمة ، فحين لا تشبع الأسرة الاحتياج العاطفي سيسعى الشخص لإشباع النقص من خلال طرق قد تُخالف الدين و المعتقدات و القيم ، فينبغي على الآباء الوعي بأهمية الجانب العاطفي و السعي لإشباعه باحتوائهم لأبنائهم و فهم مشاعرهم حتى لا يميلوا عن الطريق السوي و ليكونوا خير قدوة للأجيال القادمة .

و أخيراً حتى و إن كانت تربية الآباء مليئة بالأخطاء و الزلل و غير محيطة بمجمل النواحي ، لا ينبغي إسقاط كامل اللوم عليهم ، فمن الشاق الإلمام بسائر الجوانب على النحو الصحيح ، فالآباء قد بذلوا جُل جهدهم في تربية أبنائهم تربية سليمة و خالية من الأخطاء .

 

 

زينب هاشم السعيدي

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *